المسلم وموقفه من الفتن


الخطبةالأولى

الحمد لله رب العالمين، أكملا لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعلنا مسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مخلصين له الدين، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وإمام المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، واحرصوا على ما يثبت دينكم وأمنكم واستقراركم، واحذروا مما يشوش على ما أنتم فيه من النعمة والخير، فإننا في وقت كما تعلمون كثرة فيه الفتن وكثرة فيه الإشاعات المغرضة والتحريشات الباطلة، فعلينا أن نتثبت وأن لا ندخل في شيء ليس من شؤوننا قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ) والفاسق هو المؤمن العاصي ناقص الإيمان الذي لا يؤمن على ما يقول أو يكون غير ثقة فيما يقول، فلا نتسرع بقبول خبره إذا جاء بخبر فيه سوء بالنسبة للأفراد أو بالنسبة للمجتمع، فكيف إذا كانت هذه الأخبار والإشاعات من الكفار والمنافقين؟ الذين يبثونها بواسطة هذه الأجهزة الحديثة الانترنت في المواقع في غير ذلك فعلينا أن نتثبت وأن نتمسك بديننا فما كان منها كذباً رفضناه ولم نلتفت إليه، وما كان منها صحيحاً يتعلق بمعين من المسلمين فإنه يناصح ويستر عليه: وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدنيا والآخرة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، وإن كان هذا الخبر الذي جاءنا أو نشر يتعلق بجماعة المسلمين وبإمام المسلمين فإنه يرجع فيه إلى أهل الحل والعقد ولا يتناوله كل أحد، قال الله جل وعلا: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ أي نشروه وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) فالأمور التي تتعلق بالأمن أو الخوف من أمور المجتمع من أمور المسلمين يرجع النظر فيها إلى الرسول وذلك بالرجوع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، لأنه صلى الله عليه وسلم بين لأمته كل شيء يحتاجونه لاسيما في المشاكل فقد وضع لها صلى الله عليه وسلم الحلول الناجحة بأمر ربه سبحانه وتعالى وإلى أولي الأمر يرجع فيه إلى أولي الأمر وهم العلماء وأهل العقول من الولاة والقادة وأصحاب الرأي الذين لهم ممارسات صحيحة وتجارب صحيحة ليحلوا هذا المشكل ويلتمسوا له العلاج النافع، فالأمور تردوا إلى نصابها ولا يتولاها الدهماء والعامة والجهال وتكون موضوعاً لأحاديث المجالس كما عليه الواقع الآن لما جاءت هذه الفتن صارت المجالس تشتغل فيها ويحكمون عليها بأحكام مختلفة وهي لا تروي غليلا ولا تبرئ عليلا وإنما تزيد الشر شراً، فلو ردت الأمور إلى نصابها وتولى حلها من أسنده الله إليه من أولي الأمر الذين يرجعون إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) يستنبطونه من الكتاب والسنة ويأخذون حكمه اللائق به ثم يعالجونه بما يكفوا أثره وشره عن المسلمين هذا هو المبدئ وهذا هو الأساس، الذي أمرنا الله جل وعلا به في محكم كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلم أن يكف لسانه عماَّ لا يعنيه أو عمَّا يحدث الفوضى والشرور بين المسلمين، وسوء الظن بين المسلمين، وبين الرعية والرعاة على المسلم أن يكف لسانه إلا فيما يكون خيراً قال صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ، ولا يتكلم الإنسان بما لا يتثبت فيه فقد جاء في الحديث: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا - أي لا يتثبت فيها - يَهْوِى بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وهي كلمة واحدة، فكيف بالكلمات؟ فكيف بالكتب الكثيرة والمقالات السيئة؟ كل ذلك إذا كان من هذا النوع فإنه يهوي به في النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعلى المسلم أن يتثبت في هذا الأمر وألا يخوض فيه وهو ليس من أهله، وأن يلاحظ ما يترتب على كلامه من الشر في المجتمع، الله جل وعلا منع المنافقين أن يخرجوا مع المسلمين في غزوة تبوك، الله خلفهم وثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين قال تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ولو خرجوا مع المسلمين لفتوا في عضدهم، ولنشروا الاختلاف بينهم، ولأرهبوهم بالشائعات وفي المسلمين من يصدقهم (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) يسمعون كلامهم ويصدقونهم، فالله بحكمته ورحمته منع المنافقين مع الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة وبين الحكمة من ذلك وهذا ليس خاصاً في غزوة تبوك وإنما هو عام في كل الحوادث، فعلى المسلمين أن يحذروا من الكفار والمنافقين والفسقة فلا يقبل أخبارهم في الحديث: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ وفي الحديث الآخر: إِنَّ اللَّهَ جلَّ وعلا يكَرِهَ لَنا قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ قيل وقال وهذه بضاعة كثير من الناس قيل كذا ويُقال كذا وهو لا يتثبت في هذا، ثم لو ثبت هذا فلينظر في مصلحته أو مفسدته ولا يشاع ولا يذاع بين المسلمين.

فعلينا أن نتقي الله سبحانه وتعالى ولاسيما في هذه الأيام التي كثرة فيها الشائعات وكثر فيها الإرجاف وتنوع الخلاف حتى شبت الفتن بين الناس قامت حروب وثارات، والعياذ بالله، تخريبات بسبب هذا الشائعات التي تروج في الانترنت وفي بعض وسائل الإعلام ومن وراءها من الكفار والمنافقين الذين يوقدونها، فعلينا أن نكون على بصيرة من أمرنا وأن نتمسك بديننا وأن نبتعد عن الفتن وأسبابها وأن نسعى في الإصلاح بين الناس (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنََّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،   أما بعد:

أيُّها الناس، إن ما يحدث الآن من هذه الشرور والشائعات وما يحدث من التحريش والتنكر بين المسلمين؛ إنما سببه ما يبثوا وينشروا من أعدائنا، يريدون أن يفرقوا كلمتنا وأن يفرقوا جماعتنا، وفي الحقيقة لو أننا ندرس العقيدة الصحيحة ((عقيدة أهل السنة والجماعة)) دراسةً صحيحة وندرسها لأولادنا وننشرها بيننا لما وجدت هذه الشائعات وهذه الإرجافات ما وجدت بيننا مجالاً، ولكن لما غفلنا عن عقيدتنا بل غفلنا عن كتاب ربنا وسنة نبينا حصلت هذه الأمور بسبب انتشار الجهل وسبب حب كثير من الناس للقيل والقال دون أن يتفكروا ما يترتب على قيل وقال من السوء ومن الأثر السيئ .

فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها.

وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً سخاءً رخاءً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحمي بلاد المسلمين عامة، اللَّهُمَّ اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار من المنافقين والكفار، اللهم أردد كيدهم في نحورهم، اللَّهُمَّ أجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللَّهُمَّ كف شرهم عن الإسلام والمسلمين (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً)، اللَّهُمَّ كف شرهم عن الإسلام والمسلمين وعن بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ زلازل أقدامهم وشتت شملهم وخالف بين كلمتهم، اللَّهُمَّ سلط بعضهم على بعض واشغلهم بأنفسهم عن المسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ رد إليك المسلمين رداً صحيحا، اللَّهُمَّ وفقهم لصلاحهم وصلاح بلادهم وصلاح ذرياتهم وصلاح مجتمعاتهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وابعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهمَّ أسقنا وأغثنا، اللَّهُمَّ سقيا رحمة لا سقي هدم ولا عذاب ولا غرق، اللَّهُمَّ أسقي عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللَّهُمَّ إن خلق من خلقك ليس بنا غناً عن فضلك، اللَّهُمَّ أرحمنا اللَّهُمَّ أرحمنا اللَّهُمَّ أرحمنا رحمةً عاجلة تُحي بها قلوبنا وبلادنا يا أرحم الراحمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.