تفسير قوله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّ)


السؤال
الرجاء إلْقَاءُ الضَّوْءِ على قول الله -تَعَالَى- في آخر سورة النحل؛ بعد: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ* ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)
الاحابة
الجواب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةِ وَالسَّلامُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ.هذه الآيات من آخِرِ سورة النحل التي تُسَّمى آية النِعْم؛ لأن اللهَ -جَلَّ وَعَلاَ- ذكر فيها كثيرًا من النعم، التي اِمتَنَّ بها عباده، وطلب منهم شكر هذه النِعْم؛ قال: (وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، وذكر عن إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلامُ- خَلِيْل اللهَ أنه كان شاكرًا لأنعمه، لأنعمِ اللهِ -سُبْحَانَهُ-، فلنا فيه قدوةٌ وأسوة حسنة، فهذه السورةُ سورةٌ عظيمة، ختمها اللهُ بهذه الآيات في صفات إِبْرَاهِيمَ، ذكر له أربع صفات:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)، و(أُمَّةً) يعني قدوة؛ فهو قدوة للناس، كما قال اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- له: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)، فهو قدوةٌ للناس من بعده في عبادة الله وشكرهِ .الصفة الثانية: ( قَانِتاً لِلَّهِ) والقنوت هو: دوام العبادة لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فكان إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مدوامًا على عبادة الله .الصفة الثالثة: (حَنِيفاً) والحنيف هو المُقبل على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والمعرضٌ عما سواه .الصفة الرابعة: (وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، أن إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان متبرئًا من المشركين، حتى من أبيه الذي هو أقرب الناس إليه، قال -تَعَالَى-: ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)، فإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- هو القدوة، ثم أمر اللهُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)، لأن مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعث بملةِ إِبْرَاهِيمَ الحنيفية وهى عبادة اللهِ وحده لا شريك له، وترك عبادةِ ما سواه والحبُ في الله، والبغضُ في اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، هذه ملةُ إِبْرَاهِيمَ التي أُمرنا باتباعها، هذه السورة سورةُ عظيمةُ سورةُ النَحْل، وفي آخرها هذه الآيات العظام التي ذكرها اللهُ في حقِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلاةِ السَّلامُ- الذي أُمر نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمرنا باتباعِ ملتهِ والسير على منهاجه، في عبادة الله -عَزَّ وَجَلَّ- وحده لا شريك له، والبراءة من الشرك؛ البراءةُ من الشرك وأهله، ولهذا قال في آخر سُّورة (قَدْ سَمِعَ): (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، هذه هى البراءةُ من الشِّرك وأهله، ولا يتم الدين لأحدٍ حتى يكون بهذه الصِّفة؛ أن يكون مواليًا لله ولأولياء الله، ومعاديًا لأعداء الله -عَزَّ وَجَلَّ- وإنِّ كانوا من أقرب الناس إليه، فالولاء والبراء من ملة إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلاةِ السَّلامُ- التي أُمرنا باتباعها .