المنتقى من أخبار سيد المرسلين-01-02-1439هـ


التاريخ: 1439/02/01هـ

من قول المؤلف: "باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقلّ"

إلى قول المؤلف: "باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه.."

ملخص الدرس:

باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل:

إن دية النفس المؤمنة في الأصل: مائة من الإبل، ولأولياء القتيل أن يصالحوا على أكثر من ذلك؛ لأن الحسن والحسين بذلا لهدبة بن خشرم بسبع ديات أو القصاص؛ فدل هذا على جواز الصلح في قتل العمد بأكثر من الدية أو أقل من الدية؛ لأن الحق لهم؛ قال النبي ﷺ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحاً حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا." فأولياء القتيل بالخيار: إن شاءوا أخذوا بالقصاص، وإن شاءوا قبلوا الدية، وإن شاءوا صالحوا بأكثر من الدية أو أقل فلهم الحق في ذلك، كما في الحديث: "مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَذَلِكَ عَقْلُ الْعَمْدِ، وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ وَذَلِكَ تَشْدِيدُ الْعَقْلِ." أي: الزيادة في الدية. والعقل: الدية.

باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره.

هذا الباب في أحكام الجوار؛ والجار ثلاثة: 1/ جار له ثلاثة حقوق، و2/ جار له حقان، و3/ جار له حق واحد: الأول هو الجار المسلم القريب له حق  الجوار والإسلام والقرابة، والثاني له حق  الجوار والإسلام، والثالث له حق الجوار فقط. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ." ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. فلا يمنع الجار جاره البناء على جداره؛ وهذا حق الجار عليه؛ قال ﷺ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ." من باب الصلح، إن تحمله الجدار؛ وقوله: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" قاعدة في الإسلام. والضرر والضرار، قيل: إنهما بمعنى واحد؛ فالثاني تأكيد للأول، وقيل: الضرر في حق الشخص نفسه، والضرار ما بين الاثنين يضر الواحد الآخر.

باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل:

وفيه الحديث: "إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ." وغيره؛ والآن يرجع تحديد الشوارع إلى البلدية بحسب الحاجة.

باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع:

والحديث: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِيزَابٌ عَلَى طَرِيقِ عُمَرَ، فَلَبِسَ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَانَ ذُبِحَ لِلْعَبَّاسِ فَرْخَانِ، فَلَمَّا وَافَى الْمِيزَابَ صُبَّ مَاءٌ بِدَمِ الْفَرْخَيْنِ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقَلْعِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَرَحَ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ ثِيَابًا غَيْرَ ثِيَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَلْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَا صَعِدْت عَلَى ظَهْرِي حَتَّى تَضَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ. فيه: مشروعية التزين لصلاة الجمعة لا سيما للإمام، وفيه إجلال رسول الله وسنته ﷺ والتسليم لها.

كتاب الشركة والمضاربة:

الشركة: اشتراك أكثر من واحد في عمل من الأعمال أو التجارة أو الزراعة أو غير ذلك، وهي الاشتراك في الاستحقاق يقال له شركة، وهي مشروعة في الإسلام، ولها سبعة أنواع تقريباً. والمضاربة معناها: أن تدفع مالاً لمن يتاجر به بجزء من الربح؛ فيكون المال من شخص والعمل من شخص آخر وله بعض الربح على ما اشترطه، وهي ثابتة من سنة الرسول ﷺ فيها منفع للمسلمين ولبني آدم وفيها تعاون على طلب الرزق. قال النبي ﷺ: "إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا." بمعنى أنني أعينهما وأبارك في شركتهما، وهذه معية إعانة وتوفيق وبركة من الله للشريكين، وإذا خان أحدهما خرجتُ من بينهما، أي: إن الله لا يبارك لهما في شركتهما، وفيه تحريم خيانة الشركاء؛ لأن الشريك مؤتمن شريكه؛ فإذا حصلت الخيانة بينهما ينزع الله البركة من بينهما بسبب الخيانة. وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكُنْت خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِينِي وَلَا تُمَارِينِي. أي لا تطلب الحق ولا تجادل وتخاصم - هكذا الشركاء وأحوال قلوبهم، وفي الأحاديث دليل على مشروعية الشركة. وأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ. هذا صرف جائز، أما النسيئة وهي التأجيل فلا يجوز ولا بد من القبض في المجلس. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اشْتَرَكْت أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ. فيجوز الاشتراك فيما يكتسب بالأبدان في المباحات، فلا يجوز في المحرمات. ويجوز الاشتراك في الأدوات والآلات كما في الحديث عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «إنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيَأْخُذُ نِضْوَ أَخِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يَغْنَمُ وَلَنَا النِّصْفَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ وَلِلْآخَرِ الْقِدْحُ. وفيه اشتراط احترازات المال وعدم عرضه للأخطار كما جاء عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً يَضْرِبُ لَهُ بِهِ أَنْ لَا تَجْعَلَ مَالِي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ - أي: في البهائم - وَلَا تَحْمِلَهُ فِي بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلَ بِهِ بَطْنَ مَسِيلٍ، فَإِنْ فَعَلْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَمِنْت مَالِي.

كتاب الوكالة:

الوكالة: التفويض في التصرف؛ والنبي ﷺ كان يوكّل - والناس بالحاجة إليها؛ لأن الإنسان قد يعجز عن العمل بنفسه؛ فله أن يوكل من يقوم بالعمل، وهذا يسمى بالوكيل.

باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وإخراج الزكوات وإقامة الحدود وغير ذلك:

العقود: مثل البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، والحقوق، أي أن توكل من يسدد عنك الدين الذي عليك، والتوكيل في إخراج زكاة مالك وتوزيعه، وإقامة الحدود: فعلى ولي الأمر أن يقيم الحدود ولا يشترط أنه يقيمها بنفسه، فيكفي وكيله، وغير ذلك مما يدخل فيه النيابة، كما في أحاديث الباب: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: اسْتَسْلَفَ النَّبِيُّ ﷺ بَكْرًا فَجَاءَتْ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ. البكرة: نوع من الإبل. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: أَتَيْت النَّبِيَّ ﷺ بِصَدَقَةِ مَالِ أَبِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى." الصلاة معناها: الدعاء. والحديث: "إنَّ الْخَازِنَ الْأَمِينَ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ." فمن قام بذلك فهو شريك الصدقة وشريك صاحب الصدقة في الأجر لما قام به من الأمانة وإيصال الحق إلى صاحبه، وفيه أن الوكيل لا بد أن يحسن التصرف ولا يفرط فيه. وَقَالَ: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا." فيه التوكيل في إقامة الحدود. وعن علي: أَمَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا. فوكل النبي ﷺ علياً بالذبح وتوزيع الصدقة. ووكل أبا رافع في عقد النكاح: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. وغير ذلك من توكيلات النبي ﷺ.