شرح نواقض الإسلام 13-05-1437هـ


المتن: قال المُصنف -رحمه اللهُ تعالى-:
الرَّابِعُ:
 مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَ هَدْي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِ وَأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ كَالذِينَ يُفَضِّلُونَ حُكْمَ الطَّوَاغِيتِ عَلَى حُكْمِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَهُ وَسَلَمَ عَلَى عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الشرح:
قال اللهُ -تَعَالَى- (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، حكم الجاهلية ما قبل الإسلام، كانت العرب قبل الإسلام في جاهليةٍ وجهلاء وضلالةٍ عمياء، ليس لهم كتاب وليس لديهم رَسُول ما أتاهم من رَسُول قبل مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ-، فكانوا في جاهلية والعياذ بالله، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون مُنكرًا، دينهم عبادة الأصنام والأشجار والأحجار! وكسبهم الرِّبا؛ يأكلون الرِّبا هذا بيعهم وشراؤهم وتعاملهم، ويأكلون الميتات ويقولون ما ذبحه اللهُ أحسن مما ذبحتموه، شياطين الجنَّ يوحون إليهم أن يأكلوا الميتات ويقولون إنها ذبيحة الله، اللهُ ذبحهها فهى أحسن من ذبيحتكم التي تذبحوها أنتم! قال -جَلَا وَعَلَا- (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في أكل الميتات واستباحتها (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
هكذا كانوا في الجاهلية؛ وكان حكمهم النهب والسلب، الحكم لمن غلب من الأشخاص أو الجماعات أو القبائل، يعيشون على النهب والسلب فيما بينهم. إلى أن جاء اللهُ بالإسلام وبمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- فدعاهم إلى عبادة اللهَ وحدهُ لا شريك له، وترك عبادة غير الله من الأصنام والأشجار والأحجار، ونهاهم عن أكل الرِّبا وأكل الميتات والمُحرمات، وحثَّهم على أكل ما أحل اللهُ --سُبحانَهُ وَتَعَالَى- (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ) ما ذُبح ذكاةً شرعيةً، (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ)، (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) سواءً ذُكر عليه اسم الشيطان، أواسم الصنم، أو اسم المسيح، أوغير ذلك، كل ما ذُكر عليه غير اسم الله فأنه لا يؤكل.
(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، وهذا دينهم في الجاهلية، ولمَّا جاء اللهُ بالإسلام أصبحوا أحسن الأمم دينًا، وتعاملًا وإجتماعًا، وصاروا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، يتميزون على غيرهم بما أورثهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى-، كانوا لا كتاب لهم، العرب ما كان لهم كتاب، الكتاب لليهود والنصارى، فجاء اللهُ بالقرآن الذي هو أعظم كتاب، نزَّل على أعظم رَسُول، لخير أمةٍ أُخرجت للناس، هذا فضل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- يؤتيه من يشاء، فمن قال : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ) يجوز الحكم به؛ وأن القوانين الوضعية، يجوز الحكم بها، فإن قال: هى أحسن من حكم اللهِ، أو قال إنها مساويةً لحكم الله أو قال: إن الإنسان مُخير فهذا كافرٌ كفرًا صريحًا -والعياذ بالله-.
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، فهذا الحكم في المحاكم يجب أن يكون بالشريعة، التي أنزلها اللهُ على رَسُولهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ-، كما كان الرَسُول يحكم بين أصحابه بها. فالذي يعود إلى أمور الجاهلية ويُحكِم القوانين الوضعية، ويقول كله سواء أو هى أحسن، فهذا لا شك في كفره وردَّته عن الإسلام.
المتن:
الخَامِسُ:
مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- وَلَوْ عَمِلَ بِهِ، كَفَرَ.
الشرح:
الخَامِسُ من نواقض الإسلام: مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- وهذه صفةُ المنافقين، الذين يؤمنون في الظاهر ويكفرون في الباطن، وهم شرٌ من الكفار المصرحين بكفرهم، فالذي على طريقتهم يقول: "إن حكم الطاغوت أحسن من حكم الله، أو هو مساوٍ له" فهذا كافرٌ لاشك في كفره.
المتن:
الخَامِسُ:
مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- وَلَوْ عَمِلَ بِهِ، كَفَرَ.
الشرح:
البغض: لو عمل بما جاء به الرَسُول وساير الناس وقال بأعيش مع الناس، مثل المنافقين "من أبغض" ولو بقلبه ولم يصرح، إذا أبغضه بقلبه كفر، ولو لم ينطق بذلك فأنه يكفر. يجب أن نُحب ما أنزله اللهُ على رَسُوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- وأن نعتني به وأن ننشره وأن نعلمه للناس، هذا الواجب علينا.
أما من يستورد الأنظمة؛ الأنظمة ليست تشريعًا وإنما مثل نظام المرور ونظام العمران، هذا لابأس به، هذا من المصالح المُرسلة، ولابأس به. لكن الأنظمة التي تُخالف كتاب الله أو سُنَّة رَسُولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- هذا حكم الجاهلية، ولا يجوز العمل به ولا استحسانه.
بعض الناس ما يترك العمل بالشريعة، يعمل بها ولكنه يبغضها هذا كافرٌ لاشك في كفره، ولو عمل بها!
المتن:
السَّادِسُ:
مَنِ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، أَوْ ثَوَابَ اللهِ، أَوْ عِقَابِهِ، كَفَرَ.
الشرح:
مَنِ اسْتَهْزَأَ بدِينِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- ولو عَمْلَ به إذا اسْتَهْزَأَ به فإنه يَكَفُر، ولو لم ينطق بذلك، بل اعتقده في قلبه، لكن يخشى من الناس ويتعايش مع الناس، ولا يُظهر الإستهزاء هذا كافر! اللهُ يعلم مافي القلوب، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، الواجب أن يكون المسلم ظاهرًا وباطنًا مؤمنًا بالله ورَسُوله وبكتاب الله، وسُنَّة رَسُولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- إيمانًا حقيقيًا، لا مجاملةً للناس ومسايرةً للناس، هذه عقيدة لابد أن تكون في القلب وفي العمل وفي السيرة وفي كل شيء، تظهر على الإنسان. مافي مجاملة في دين اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ودين الله ما هو بعورة حتى نستره، هو دين العالم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فهو دين العالم، لكن من الناس من أخذ به ومن الناس من تركه، والذي تركه إنما ضرَّ نفسه، حيث إنه ترك كتاب الله وسُنَّة رَسُوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- فالضرر عليه؛ هو الذي ضرَّ نفسه.
المتن:
السَّادِسُ:
مَنِ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، أَوْ ثَوَابَ اللهِ، أَوْ عِقَابِهِ، كَفَرَ، وَالدَلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ).
الشرح:
من استهزأ بالله أو برَسُوله أو بكتابه أو بسُنَّة رَسُولهِ أو بحكمٍ من أحكام الإسلام وتنقصها فهو كافر، مرتدَّ عن دين الإسلام ولو كان في الأول مسلمًا، يرتدَّ بذلك هذا من نواقض الإسلام، والدليل على ذلك: أن قومًا كانوا مع الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- في بعض الغزوات، فلمَّا جلسوا قالوا فيما بينهم: "مَا لِقُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبُنَا بُطُونًا، وَأَكْذَبُنَا أَلْسِنَةً، وَأَجْبَنُنَا عِنْدَ اللِّقَاءِ"، يعنون رَسُول اللهَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- وأصحابه، فأنزل اللهُ فيهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)؛ لأنهم جاءوا إلى الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم-، لمَّا ذهب واحد من شباب المسلمين وبلغَّ مقالتهم، حضر مجلسهم وأنكر عليهم، شاب صغير؛ ثم ذهب إلى الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- وبلغَّهُ بما قالوه، جاءوا يعتذرون إلى الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- والرَسُول راكبٌ على راحلته، يتعلقون بركبِ الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم-  ويقولون: "يا رَسُول اللهَ إنَّمَا ذَلِكَ وَكُنَّا نَخُوضُ وَنلعَبْ " لأنهم علموا أن اللهَ فضحهم، وأنزل فيهم قرآنًا ويقولون: "إِنَّمَا َكُنَّا نَخُوضُ وَنلَعَبْ"، ما يزيد الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- على أن يقول: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، فالذي يتكلم في الشريعة أو في العلماء أو في أتباع الرَسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم- ويصفهم بالنقص ويصفهم التغفيل ويصفهم بالجهل، هذا مرتدَّ عن دين الإسلام. الواجب أن نُمسك ألسنتا عن هذه الأمور، ولا نتساهل في الكلام أو نمزح، هؤلاء يقولون: "إِنَّمَا َكُنَّا نَخُوضُ وَنلَعَبْ" يمزحون، ومع هذا كفرهم اللهُ فقال: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، وهم يمزحون يقولون: "إِنَّمَا َكُنَّا نَخُوضُ وَنلَعَبْ" نحن ما بجادين ولا قاصدين هذا الشيء، ما ينفعهم هذا! (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، هذا كلام ربَّ العالمين، يقول: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، نسأل الله العافية، لكن باب التوبة مفتوح، من وقع في شيء من ذلك فليبادر بالتوبة الصحيحة، ومن تاب تاب اللهُ عليه.
والله أعلم وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.