إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 25-01-1439هـ


الكتاب:إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان

التاريخ: 25/1/1439 هـ

من قول المؤلف: فصل: ومما ينبغي أن يعلم أنه يقترن بالأيسر إثماً.

إلى قول المؤلف: فصل: ومما يبين أن هذه الفواحش أصلها المحبة لغير الله تعالى.

ملخص الدرس:

قال المؤلف:

"ومما ينبغي أن يعلم: أنه قد يقترن بالأيسر إثما ما يجعله أعظم إثما مما هو فوقه. مثاله: أنه قد يقترن بالفاحشة من العشق الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق، وتأليهه له وتعظيمه، والخضوع له، والذل له، وتقديم طاعته وما يأمر به، على طاعة الله تعالى ورسوله وأمره، فيقترن بمحبة خدنه وتعظيمه، وموالاة من يواليه، ومعاداة من يعاديه، ومحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، ما قد يكون أعظم ضررا على صاحبه من مجرد ركوب الفاحشة."

المبتلى الذي ينظر إلى النساء نظر تلذذ ومحبة شهوانية يصرف لهذا المحبوب والمعشوق شيئاً من الطاعة أكثر مما يكون لله، والعشق لها يفضي صاحبه إلى ما لا يحمد له؛ وعلاج ذلك: غض البصر والبعد عن تجمعات الفتنة والبعد عن القنوات الهالكة وما يعرض في الشاشات والمواقع يصطاد بها ضعاف المسلمين؛ فينبغي الابتعاد عنها غاية الابتعاد ولا يظن المؤمن أنه محصن من هذه القتن؛ فإن من الإيمان: الابتعاد عن هذه الأمور.

 

والعشق قد يصل إلى التعبد لغير الله والرضا لغيره والسخط لغيره وفعل المحرمات من أجل الوصول إلى المعشوق والمحبوب، وسمى الله هذا الشرك في المحبة تعبداً، كما في الحديث: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفةِ، تَعِسَ عَبْد الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتُكِسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتُقِشَ، إِنْ أُعْطِى رَضِى، وَإِنْ مُنعَ سَخِطَ." فهذا عبد للدنيا.

والحب مراتب: "أوله: العلاقة، ثم الصبابة، ثم الغرام، ثم العشق. وآخر ذلك: التتيم. وهو التعبد للمعشوق. فيصير العاشق عبدا لمعشوقه." ومن أمثلة ذلك في القرآن: عشق امرأة العزيز ليوسف وسكرة قوم لوط لفعلهم الفاحشة التي ما سبقهم إليها أحد من العالمين، فكانوا مشركين – وصرفه الله عن عبده المخلصين وحماهم عن هذه الفتنة التي يتبعها الغاوون – والغي ضد الرشد وأعظم الغي: العشق المحرم؛ ولذلك الشعراء يتبعهم الغاوون، أما أهل العلم والصلاح يتبعهم الراشدون.

 

وقد تكون الكبيرة، مثل الزنا، أقل ضرراً من الإصرار على الصغائر، مثل النظر واللمس مع العشق؛ لأن "إصرار العاشق على محبة الفعل، وتوابعه، ولوازمه، وتمنيه له، وحديث نفسه به: أنه لا يتركه، واشتغال قلبه بالمعشوق، قد يكون أعظم ضرراً من فعل الفاحشة مرة بشيء كثير"؛ لأن: 1/ "الإصرار على الصغيرة قد يساوى إثمه إثم الكبيرة، أو يربى عليها." 2/ "فإن تعبد القلب للمعشوق شرك، وفعل الفاحشة معصية، ومفسدة الشرك أعظم من مفسدة المعصية." 3/ فإنه قد يتخلص من الكبيرة بالتوبة والاستغفار، وأما العشق إذا تمكن من القلب فإنه يعز عليه التخلص منه (..) بل يصير تعبدا لازما للقلب لا ينفك عنه، ومعلوم أن هذا أعظم ضررا وفسادا من فاحشة يرتكبها مع كراهيته لها، وقلبه غير معبد لمن ارتكبها منه." وهذا هو من سلطان الشيطان على المشركين وضعفاء الإيمان بقدر ضعفهم، وأما عباد الله المخلصين فليس للشيطان عليهم سلطان.

 

"وأصل الغي من الحب لغير الله، فإنه يضعف الإخلاص به، ويقوى الشرك بقوته، فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولى الشيطان والإشراك به بقدر ذلك، لما فيهم من الإشراك بالله، ولما فاتهم من الإخلاص له، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد، ولهذا ترى كثيرا منهم عبدا لذلك المعشوق، متيما فيه. يصرخ في حضوره ومغيبه: أنه عبده، فهو أعظم ذكرا له من ربه، وحبه في قلبه أعظم من حب الله فيه." حتى يكون في الصلاة بلا خشوع "فلسانه يناجيه وقلبه يناجى معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق؛" فصلاته صلاة بلا روح.

 

"وأصل ذلك كله من خلو القلب من محبة الله تعالى، والإخلاص له، والتشريك بينه وبين غيره في المحبة، ومن محبة ما يحب لغير الله، فيقوم ذلك بالقلب، ويعمل بموجبه بالجوارح، وهذا هو حقيقة اتباع الهوى." وقال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللهُ عَلَى عْلِمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةَ فَمَنَ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23] وهذا يشبه عابد الوثن؛ وبها وبالخمر والميسر وغيرهما يريد الشيطان أن يجعل بينهم البغضاء والعداوة في الدنيا والآخرة، ولو كان بين أهل المعاصي نوع من المحبة في الدنيا؛ فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة؛ ﴿فالأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾ و ﴿إنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بَبَعْضُ ويلعن بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ [العنكبوت: 25]

وأما المؤمنون "فإن التحاب والتآلف إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنْوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدا﴾ [مريم: 96] أي: يلقى بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا، فيتراحمون، ويتعاطفون بما جعل الله لبعضهم في قلوب بعض من المحبة. وقال ابن عباس "يحبهم ويحببهم إلى عبادة"."

 

بعض الفوائد من الدرس:

  1. قد يصل العشق إلى الشرك في المحبة فيصير العاشق عبداً للمعشوق يطيعه فيما حرمه الله ويترك ما أوجبه عليه الله من أجل معشوقه ومحبوبه ويشغل قلبه عن الله حتى قد ينسى الله بسبب عشقه المعشوق.
  2. فتنة القنوات الهالكة وما يعرض على الشاشات والمواقع اليوم فتنة عظيمة، تأتي على الإنسان وهو في بيته ولا يمنعا باب ولا جدار؛ فكان الناس الذين أرادوا الفاحشة والنظر إلى الصور المحرمة في السابق يأتونها؛ فأما الآن تأتي عليهم الفتنة والفاحشة والناس في بيوتهم؛ فطهروا بيوتكم من هذه القنوات الهالكة ولا تتركوا من في بيوتكم تطلعوا عليها، وعليكم بغض البصر!
  3. المشركون تنقلب محبتهم في الدنيا عداوة يوم القيامة، وأما المؤمنون يلقى الله بينهم المحبة والرحمة والتآلف في الدنيا والآخرة.

 بعض من أهم الفتاوى المتعلقة بالدرس:

س/ إدخال القنوات العلمية والمحافظة إلى بيتي هل ينصح بها في هذا الوقت؟

ج/ نعم. القنوات النزيهة والمفيدة هذا طيب.

س/  بعض طلبة العلم يزهدون  في الزواج ويقولون: إن الزواج يشغل عن طلب العلم؛ فأكثر نساء اليوم لا يعنَّ طالب علم على طلبه، بل يشغلنه وإن شاء الله لن نقع في حرام يقول: رغم انتشار الفتن في كل مكان. ما توجيهكم في مثل هذا؟

ج/ الزواج ما يمنع عن طلب العلم. بل، يعين على طلب العلم؛ لأن الإنسان يرتاح مع الزواج ويتفرغ لطلب العلم، الزواج يعين على طلب العلم.

س/ في قول الله تعالى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ ما تفسير ذلك وما المراد بالهم من يوسف؟

ج/ ما قال: همّ بها وسكت: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ فهو لم يهم بها؛ لأنه يرى برهان ربه.

س/ هل يجب الإحسان إلى الجار الكافر؟

ج/ نعم. يجب الإحسان إلى الجار ولو كان كافراً؛ الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد؛ الجار الذي له ثلاثة حقوق هو الجار القريب المسلم: له حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام؛ وجار له حقان وهو الجار المسلم غير القريب: له حق الجوار وحق الإسلام؛ وجار له حق واحد وهو الجار الكافر.