شرح بعض فوائد سورة الفاتحة 11-02-1437هـ



المقدمة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصَلىَّ اللهُ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ
المتن: قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "بعض فوائد سورة الفاتحة"
 الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ .
الشرح: سورة الفاتحة، هى التي جعلها اللهُ فاتحة للكتاب في القرآن العظيم، وهى أم القرآن لأنها تشتمل على معاني القرآن ومقاصده، فالقرآن تفصيلٌ لما جاء في سورة الفاتحة، ولهذا سُميت أم القرآن، وهى سورةٌ عظيمةٌ، فرض اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة فرضها ونفلها، مما يدلُّ على أهميتها وحاجة المسلم إليها .
المتن: بَعْضِ فَوائدِ سُّورةِ الفَاتِحْة
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، هذه الآيات الثلاث تضمنت ثلاث مسائل؛ الآية الأولى فيها المحبة،  
الشرح: سورة الفاتحة كلها دعاء؛ دعاء عبادة ودعاء مسألة، فأولها دعاء عبادة وهو الثناء على اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ وآخرها وهو دعاء المسألة وهو طلب الهداية من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، والاستعاذة من طرق الضلال .
المتن: هذه الآيات الثلاث تضمنت ثلاث مسائل؛ الآية الأولى فيها المحبة:  
الشرح: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ الحمد يقتضي محبة المحمود، لأنَّ الحمد يتضمن المحبة، إذا لم تُحب أحدًا لا تحمده، بل تذمه
المتن: الآية الأولى :فيها المحبة، لأن اللهَ مُنِعم، والمنعَم يُحَبُّ على قدر إنعامه.
الشرح: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، فالمنعَم يُحَبُّ على قدر إنعامه؛ واللهُ هو المُنِعم المطلق؛ كلُ النعم منه - سُبْحَانَهُ - (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ)، فكلُ النعم من الله، إذًا كلُ الحمد لله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وما سواه يُحمد على قدر صنيعه، ولا يحمدُ حمدًا مطلقا، الحمد المطلق لله، ولهذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ)، لأنَّ "ال" للاستغراق؛ إي جميع المحامد لله - عَزَّ وَجَلَّ- .
المتن: والمحبة تنقسم على أربعة أنواع:
محبةٌ شركيةٌ
الشرح: محبةٌ شركيةٌ، وهى محبةُ المشركين لأصنامهم، (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)، المشركون يحبون الأصنام ولو لم يحبوها ما عبدوها .
 المتن: محبةٌ شركيةٌ، وهم الذين قال اللهُ فيهم: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) إلى قوله: (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ) .
المتن: المحبة الثانية: حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله، وهذه صفة المنافقين .
الشرح: حب الباطل وأهل الباطل، وبغضُ الحق وأهل الحق، هذه صفةُ المنافقين الذين يدَّعون الإسلام، ظاهرًا ينطقون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون، وقد يجاهدون مع الرَسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم في الدرك الأسفل من النار، لأنهم ليس في قلوبهم محبةٌ للهِ ولرسولهِ، وإنما محبتهم لأعداء اللهِ ورَسُوله، لكنهم يتظاهرون بالإيمان لأجل يعيشوا مع المسلمين .
المتن: المحبة الثالثة: محبةٌ طبيعية
الشرح: محبةٌ طبيعية؛ مثل ما يحب الإنسان الطعام، ويحب زوجته وأولاده وأقاربه، محبةٌ طبيعية لا يذمُ عليها ولا يمدح .
المتن:  المحبة الثالثة: طَبيعيَة وهي محبة المال والولد، إذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله فهي مباحة .
الشرح: قال - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- * (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) يعني انتظروا ما يحل بكم من العقوبة، (حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
المتن: والمُحبة الرَّابعة: حُبُ أهل التوحيد، وبغض أهل الشَّرك
الشرح: وهذا هو الولاء والبراء؛ محبة أهل التوحيد وبغض أهل الشرك، يوالي في اللهِ ويعادي في الله، كما قال إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لإبيه وقومه: (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ)، هذه مقالة ابراهيم: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ)، إي برئ مما تعبدون من الأصنام والأشجار والأحجار، ( إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي) وهو اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هذا معنى "لا إله إلاَّ الله"؛ (إِنَّنِي بَرَاءٌ) هذا معنى "لا إله"، ( إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي) هذا معنى "إلاَّ الله" .
المتن: والمُحبة الرَّابعة: حُبُ أهل التوحيد، وبغض أهل الشَّرك، وهى أوثقْ عُرى الإيمان
الشرح: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ»، « ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ -، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ»، هذه هى علامات محبة اللهُ ورَسّوله، ومحبة دينه ومحبة أوليائه، واللهُ - جَلَّ وَعَلَا - يقول: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ) يعني يحبُ اللهَ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ)
المتن: والمُحبة الرَّابعة: حُبُ أهل التوحيد، وبغض أهل الشَّرك، وهى أوثقْ عُرى الإيمان، وأعْظَمَ ما يَعْبدَ به العبد ربه .
الشرح: الحب في الله، والبغض في الله، أما إنَّ كان يحب كل أحد، أو لا يحب إلاَّ من يُحسنُ إليه من الناس، ويُبغض من أساء إليه  ولو كان مؤمنًا؛ فهذا ليس بمؤمن .
المتن: الآية الثانية: فيها الرجاء
الشرح: الآية الثانية: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فيها الرجاء؛ ترجو رحمة الله .
المتن: والآية الثالثة: فيها الخوف،
الشرح: فيها الخوف (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)،
المتن: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إي أعبدك ياربَّ بما مضى بهذه الثلاث، بمحبتك ورجائك وخوفك، فهذه الثلاثة أركان العبادة، وصرفها لغير اللهِ شرك، وفي هذه الثلاث الردَّ على من تعلق بواحدةٍ منهن، كمن تعلق بالمحبة وحدها أو تعلق بالرجاء وحده .
الشرح: هذه الثلاثة لا بد منها مجموعة، إنَّ تعلق بواحدةٍ منها لم يكن مسلمًا .
المتن: وفي هذه الثلاث الردَّ على من تعلق بواحدةٍ منهن، كمن تعلق بالمحبة وحدها
الشرح: لأنَّ اللهَ لم يقتصر على واحدة بل جاء بالثلاث، من يقتصر على واحدة فهذا ليس بمؤمن .
المتن: كمن تعلق بالمحبة وحدها أو تعلق بالرجاء وحده، أو تعلق بالخوف وحده .
الشرح: من تعلق بالمحبة وحدها وهذه طريقةُ الصوفية، الذين يزعمون أنهم يعبدون الله بالمحبة، ويقولون نحن لا نعبده طمعًا في جنته ولا خوفًا من ناره، وإنما نعبده لأننا نُحبه، هذا ضلال! العبادة تكون بالمحبة، وبالخوف وبالرجاء جميعًا، وأما الذي يعبد بالرجاء فقط ولا يخاف هذه طريقة المرجئة الضلال، وأما الذي يعبد الله بالخوف فقط هذه طريقة الخوارج، وكل من إنفرد بواحدةٍ فهو من أهل الضلال، وأما من جمعها فهو من أهل الإيمان،
المتن:  وفي هذه الثلاث الرد على من تعلق بواحدة منهن، كمن تعلق بالمحبة وحدها،
الشرح: وهم الصوفية .
 المتن: أو تعلق بالرجاء وحده،
الشرح: وهم المرجئة .
 المتن: أو تعلق بالخوف وحده؛
الشرح: وهم الخوارج .
المتن: فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك .
الشرح: فمن صرفه منها شيئًا ؛ يعني أحب غير الله، محبة عبادة، لا محبة طبيعية، فيه فرق بين المحبة الطبيعية ومحبة العبادة، من أحب غير الله فهو مشرك .
المتن: وفيها من الفوائد الرد على الثلاث الطوائف التي كل طائفة تتعلق بواحدة منها، كمن عبد الله تعالى بالمحبة وحدها،
الشرح: وهم الصوفية،
المتن: وكذلك من عبد الله بالرجاء وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارج
الشرح: وهم الخوارج الذين يعبدون اللهَ بالخوف فقط؛ وليس عندهم رجاء لرحمة الله - عَزَّ وَجَلَّ-
المتن: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فيها توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية
الشرح: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) هذا توحيد الألوهية، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هذا توحيد الربوبية، تطلب الإعانة من الله، إذا لم يُعنك الله فإنك عاجز.
المتن: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فيها توحيد الألوهية، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيها توحيد الربوبية .
الشرح: لأن الإعانة من الله، والرزق من الله، والتوفيق من الله؛ هذه توحيد الربوبية .
يكفي نقف عند هذا، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .