فتح المجيد شرح كتاب التوحيد 30-01-1435هـ



متن الدرس

قوله: (وَكَلِمَتُهُ) إنما سمى عيسى عليه السلام كلمة لوجوده بقوله تعالى: كن كما قاله السلف من المفسرين.

قال الإمام أحمد في الرد على الجهمية بالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى بكن وليس عيسى هو كن ولكن بكن كان . فكن من الله تعالى قول، وليس كن مخلوقاً، وكذب النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى انتهى.

قوله : (أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) قال ابن كثير: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم فنفخ فيها من روحه بأمر ربه عز وجل : فكان عيسى بإذن الله عز وجل ، فهو ناشئ عن الكلمة التي قال له كن فكان والروح التي أرسل بها : هو جبريل عليه السلام .

وقوله : (وَرُوحٌ مِنْهُ) قال أبى بن كعب: عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) بعثه الله إلى مريم فدخل فيها  رواه عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهم.

قال الحافظ: ووصفه بأنه منه، فالمعنى أنه كائن منه ، كما في قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فالمعنى أنه كائن منه ، كما أن معنى الآية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه أي أنه مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته.

قال شيخ الإسلام: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله تعالى قائمة به ، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب. وإذا كان المضاف عيناً قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلام وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى، لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره .

لكن الأعيان المضافة إلى الله تعالى على وجهين :

أحدهما: أن تضاف إليه لكونه خلقها وأبدعها، فهذا شامل لجميع المخلوقات، كقولهم: سماء الله، وأرض الله . فجميع المخلوقين عبيد الله، وجميع المال مال الله .

الوجه الثاني: أن يضاف إليه لما خصه به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه ، كما خص البيت العتيق بعبادة فيه لا تكون في غيره. وكما يقال في مال الفيء والخمس: هو مال الله ورسوله. ومن هذا الوجه: فعباد الله هم الذين عبدوه وأطاعوا أمره. فهذه إضافة تتضمن ألوهيته وشرعه ودينه، وتلك إضافة تتضمن ربوبيته وخلقه انتهى ملخصاً.

قوله: "والجنة حق والنار حق" أي: وشهد أن الجنة التي أخبر بها الله تعالى في كتابه أنه أعدها للمتقين حق ، أي ثابتة لا شك فيها ، وشهد أن النار التي أخبر بها تعالى في كتابه أنه أعدها للكافرين حق كذلك ثابتة ، كما قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وقال تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) وفى الآيتين ونظائرهما دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، خلافا للمبتدعة . وفيهما الإيمان بالمعاد .

وقوله : "أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" هذه الجملة جواب الشرط وفى رواية : "أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء".

قال الحافظ : معنى قوله : على ما كان من العمل أي: من صلاح أو فساد، لأن أهل التوحيد لابد لهم من دخول الجنة، ويحتمل أن يكون معنى قوله : على ما كان من العمل أن يدخله الجنة على حسب أعمال كل منهم فى الدرجات.

قال القاضي عياض : ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره صلى الله عليه وسلم وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة .