فتح المجيد شرح كتاب التوحيد 20-10-1434هـ


 

متن الدرس

قال المصنف رحمه الله تعالى: قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

قال الشارح رحمه الله: قال مجاهد (قضى) يعني: وصى، وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم، ولابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقضى ربك يعني: أمر.

وقوله: (أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) المعنى: أن تعبدوه وحده دون ما سواه، وهذا معنى لا إله إلا الله.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: والنفي المحض ليس توحيداً، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمناً للنفي والإثبات، وهذا هو حقيقة التوحيد.

وقوله: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) أي: وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحساناً، كما قضى بعبادته وحده لا شريك له. كما قال تعالى في الآية الأخرى: (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

وقوله: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا) أي: ألا تسمعهما قولاً سيئاً، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، (وَلا تَنْهَرْهُمَا)"ولا تنهرهما" أي: لا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء بن أبي رباح لا تنفض يديك عليهما.

ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالفعل الحسن والقول الحسن فقال: "وقل لهما قولاً كريماً" أي: ليناً طيباً بأدب وتوقير، وقوله: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ) أي: تواضع لهما،

(وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا) أي: في كبرهما وعند وفاتهما. (كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

وقد ورد في بر الوالدين أحاديث كثيرة، منها: الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال: "آمين، آمين، آمين"، فقالوا يا رسول الله: على ما أمنت؟ فقال أتاني جبريل فقال: "يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، قل آمين: فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل: آمين، فقلت آمين".

وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف رجل أدرك والديه، أحدهما أو كلاهما لم يدخل الجنة".

قال العماد ابن كثير: صحيح من هذا الوجه عن أبى بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس، فقال ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت" رواه البخاري ومسلم.

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضى الرب في رضى الوالدين، وسخطه في سخط الوالدين".

عن أبى أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: "نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" رواه أبو داود وابن ماجة.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً .

قال المصنف رحمه الله تعالى: وقوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً).

قال الشارح رحمه الله: قال العماد ابن كثير رحمه الله في هذه الآية: يأمر الله تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، فإنه الخالق الرازق المتفضل على خلقه في جميع الحالات، وهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته. انتهى.

وهذه الآية هي التي تسمى آية الحقوق العشرة، وفى بعض النسخ المعتمدة من نسخ هذا الكتاب تقديم هذه الآية على آية الأنعام، ولهذا قدمتها لمناسبة كلام ابن مسعود الآتي لآية الأنعام، ليكون ذكره بعدها أنسب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: وقوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).