اغتنام الأوقات بالطاعات والحذر من المهلكات


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، روضي لنا الإسلام دينا، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله أكمل الناس خلقاً،وأكثرهم عبادة لله عز وجل،وأقومهم شكرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكره على نعمته، أشكره على نعمة الإسلام التي هي أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية، إن هذا الإسلام كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ينبني على خمسة أركان شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا ، أمَّا الركن الأول وهو الشهادتان فإنه ملازمٌ للمسلم طول حياته، وفي جميع أوقاته، وفي ليله ونهاره، لا يتخلى عنه لحظةً من اللحظات، فهو دائماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بقلبه وبلسانه، وبأعماله، أما الركن الثاني وهي إقامة الصلاة فهو يتكرر على المسلم في اليوم والليلة خمس مرات، وكذلك الجمعة تتكرر على المسلم كل أسبوع، وأما الزكاة والصيام فإنهما في كل عام مرة، وأما الحج فإنه مره واحدة في العمر على المستطيع وما زاد فهو تتطوع هذه أركان الإسلام، وهو فيما بينها دائماً وأبداً في عبادة لله عز وجل، من واجبات ونوافل، والله جلَّ وعلا خلق العباد لعبادته كما قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، فالمسلم دائماً لعبادة الله كما قال الله تعالى:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، وهذه العبادة تتنوع على القلب وعلى اللسان وعلى الجوارح، وعلى البدن، في المال، فالمسلم لا يزال في عبادةِ لله عز وجل في كل حياته لا يمر عليه فترة وهو ليس في عبادة، ومن ثمَّ فإن رمضان قد انتهى بما أودعناه من الأعمال ,أو من  الإهمال، لكن عبادة الله لا تنتهي أبداً، فالمسلم دائماً يعبد الله عز وجل، فالذي يظن أن عبادة الله في شهر رمضان خاصة، فإذا انتهى شهر رمضان فإنه يشتغل باللهو واللعب والكسل، والخمول، وتضيع الفرائض، وارتكاب المحرمات، هذا في الحقيقة لا يعبد الله وإنما يعبد شهر رمضان، أو يعبدُ وقتاً من الأوقات، لأنه لو كان عبداً لله للزم طاعة الله دائماً وأبدا، قيل لبعض السلف:إن قوماً يجتهدون في رمضان، فإذا انتهى شهر رمضان عادوا إلى الذنوب والمعاصي فقال: بأس القوم لا يعرفون الله إلا في شهر رمضان، إنما شهر رمضان موسمٌ يمر في حياة المسلم يتزود فيه من الأعمال الصالحة، فمن الناس من يكون مُحسناً في كلِ حياته، ولا يزيده شهر رمضان لأنه ليس عنده فراغ كل وقته في طاعة الله عز وجل في رمضان وفي غيره، يقول بعض السلف: أدركت أقواماً لا يزيدهم دخول رمضان، ولا ينقصهم خروجه شيئاً من أعملهم، هم دائماً في عمل صالح، ومع هذا يخافون أن ترد عليهم أعمالهم، فهم لحسناتهم أن ترد عليهم أشدوا خوفاً منا من سيئتنا أن نعذب بها، لأن الله تعالى يقول:(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ)، ولهذا كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، رأى بعضهم قوماً يلعبون في يوم العيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين، فالمسلم دائماً يكونُ خائفاً من ربه، راجياً لثوابه، عاملاً بطاعته، ليس عنده فراغ يضيعه في غير عبادة الله عز وجل، والحياة قصيرة، والحساب عسير، والجزاء خطير، فعلى المسلم أن يخاف الله عز وجل وأن يرجو ثوابه، يخاف الله فيترك الذنوب والمعاصي دائماً وأبدا، يرجو ثواب الله فيعمل بالطاعات والقربات، هكذا المسلم كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله جل وعلا:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، فعلى المسلم أن يكون دائماً عبداً لله، لا يكون عبداً لله في وقتٍ من الأوقات، والله إذا علم من العبد أنه سيعود إلى المعاصي بعد رمضان فإنه لا يتقبل منه عمله في رمضان، لأن التوبة المؤقتة لا تقبل عند الله، فمن شرط التوبة أن يعزم أن لا يعود إلى الذنوب والمعاصي دائماً وأبدا.

فتقوا الله، عباد الله، أشكروه على نعمة الإسلام، أشكروه على تمام الصيام والقيام، وسألوه أن يتقبل منكم صالح الأعمال، وأن يغفر لكم الإهمال، أسألوه خوفاً وطمع، كونوا دائماً مع الله سبحانه وتعالى، فمن كان مع الله كان الله معه:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فداوموا رحمكم الله على عبادة الله، ولزموا أداء الفرائض في مواقيتها، تجنبوا المحرمات والمعاصي فإنكم محاسبون على أعمالكم، وموقفون على جزائكم يوم القيامة:(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بالآيات والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلإ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه،  أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، كان بعض السلف يقول بعد شهر رمضان ليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المردود منا فنُعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، ويا أيها المردود أحسن الله عزائك، وماذا يؤمننا يا عباد الله أن نكون من المردودين قال الله جل وعلا في صفوت عباده المقربين:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، قال سبحانه (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)،قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يا رسول الله:أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر، قال: لا يا أبنت الصديق ولكنهم يصلون ويتصدقون ويصمون ويخافون أن ترد عليهم أعمالهم ونحن مع إساءتنا أمننا من عذاب الله وهم مع إحسانهم خائفون من عدم القبول.

عباد الله، إن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، فإذا أردت أن تعرف هل تقبل منك شهر رمضان؟ فنظر حالك بعده، فإن كنت بعد رمضان أحسن حالاً ممن قبله تغيرت أحوالك إلى الخير فعلم أنك مقبول عند الله عز وجل، وإن كنت على العكس من ذلك فعلم أنك مردود، أعلم انك مردود لكن لا تقنط من رحمة الله، ولا تيأس من روح الله، فتبَّ إلى الله، والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلموا ما تفعلون، وإذا صدرت منك خطيئة فاتبعها بالحسنة قال صلى الله عليه وسلم: واتبع السيئة للحسنة تمحها ، فعليك الإكثار من الحسنات، وأعظم الحسنات أداء الواجبات، وأعظم الواجبات الصلوات الخمس في مواقيتها مع الجماعة قال تعالى:(وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).

اتقوا الله، عباد الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها.

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقراً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ أهدهم صراطك المستقيم، اللَّهُمَّ وفقهم لما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا وقنا شر الفتن ما ظهر منه وما بطن (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)،فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.