من أحكام الصيام


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعل صيام رمضان أحد أركان الإسلام، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،(تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)،وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليما كثير،   أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما منَّ به عليكم من بلوغ هذا الشهر وسأله الإعانة على استغلاله في طاعة الله ومرضاته قال الله سبحانه وتعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بين سبحانه وتعالى: أنه فرض الصيام على هذه الأمة كما فرضه على الأمم السابقة مما يدل على أهمية الصيام ومكانته عند الله سبحانه لما فيه من الخير للعباد ثم بين سبحانه الحكمة في تشريع الصيام، بين الحكمة الحاصلة من الصيام وهي أنه يكسب التقوى يكسب تقوى الله سبحانه وتعالى فالصائم يتقي ربه أكثر من غيره حفاظا على صيامه من الإخلال فيتربى على الهداية يتربى على الطاعة يتربى على الأخلاق الفاضلة التي اكتسبها من الصيام فالصيام يسبب التقوى، والتقوى هي جماع الخير، ففي هذا فضل الصيام وبيان منزلته عند الملك العلام، والصيام يا عباد الله، هو الإمساك عن المفطرات الظاهرة والخفية بنية من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فالصيام فطام للنفس عن شهواتها ومؤلفاتها، الصيام يعود المسلم على الصبر والتحمل في طاعة الله سبحانه وتعالى وهو يدل على الإيمان لأن المسلم إذا ترك ما تحبه نفسه إلى ما يحبه ربه فيكون آثره رضا الله على رضا نفسه فهذا دليل على إيمانه ودليل صدقه مع الله سبحانه وتعالى ولهذا يقول الله تعالى في الحديث القدسي: الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وكعامه وشرابه من أجلي فهو ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل الله سبحانه وتعالى فلذلك أختص الله الصيام من بين سائر الأعمال لنفسه لما فيه من الإخلاص وما فيه من أثار طاعة الله على هواء النفوس، والصيام يا عباد الله، يحتاج إلى معرفة بأحكامه حتى يؤديه المسلم على الوجه المطلوب فيعرف بداية الصيام ونهايته كما قال تعالى:(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فهذا وقت الصيام ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، ولابد من الصيام النية، فمن ترك الطعام والشراب والمفطرات ولم ينوي الصيام فإنه لا يعتبر صائم الذي أمره الله به لأن الصيام عمل والعمل يحتاج إلى نية قال صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى وقال عليه الصلاة والسلام: لا صيام لمن لا يجمع أي ينوي الصيام من الليل فلابد له أن ينويه قبل طلوع الفجر ويستمر على نيته إلى أن تغرب الشمس تاركاً للمفطرات، والمفطرات على نوعين: مفطرات تدخل إلى الجوف من الأكل والشرب والأدوية بجميع أنواعها كل ما يدخل إلى الجوف فإنه يفطر الصائم من الطعام والشراب وما في حكمهما من الأدوية السائلة والأدوية الجامدة فإذا ابتلع الإنسان شيئا منها متعمداً فإنه يبطل صيامه بذلك، وكذلك ما يخرج من الجسم متعمداً ما يخرجه الإنسان من معدته متعمداً أو من دمه متعمداً فإنه يفطر الصائم فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر من استطاء أي استفراغ وأخرج ما معدته عن طريق الفم متعمداً أمره أن يقضي ذلك اليوم، فالاستفراغ إذا كان بتعمد من الإنسان فإنه يبطل الصيام أما إذا غلبه القيء وخرج من غير اختياره فلا حرج عليه في ذلك، وكذلك من المفطرات التي يخرجها الإنسان من جسمه إفراغ الدم الكثير بالحجامة أو بسحب عن طريق الوسائل الطبية من استخرج من جسمه دماً كثيراً فإنه يبطل صيامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطلع صيام المحتجم رأى رجلا يحتجم وهو صائم فقال صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم ومثل الحجامة سحب الدم بالوسائل الطبية إما للتبرع به وإما لإسعاف مريض به فإن ذلك يبطل الصيام مثل ما تبطله الحجامة، ومن مبطلات الصيام ممن يخرج من الإنسان إنزال المني لشهوة فإذا فكر الإنسان أو نظر وخرج منه مني بالدفق واللذة فإنه يبطل صيامه لأنه لم يدع شهوته ففي الحديث: إنه ترك شهوته فالذي يستمني ويخرج المني بلذة وإنزال فإنه يبطل صيام بذلك، أما لو كان نائماً فتحلم ونزل مني بالاحتلام فإن هذا لا يؤثر على صيامه ولكن عليه الاغتسال من الجنابة، كذلك مما يبطل الصيام ممن يخرج من جسم الإنسان الحيض والنفاس بالنسبة للنساء فالمرأة إذا أصابها الحيض أو النفاس بعد الولادة فإنها لا تصوم ما دام يخرج منها الدم فدل هذا على أن خروج الدم الكثير بتعمد من الإنسان إنه يبطل الصيام وكذلك خروجه بالطبيعة والجبلة كالحيض والنفاس فإن هذا ليس باختيار المرأة وإنما هو طبيعة وجبلة منها فلا يصح منها الصيام رحمةً بها لألئ يجتمع عليها إضعاف الصيام وإضعاف الحيض والنفاس ولا تتحمل ذلك فمن رحمة الله أنه لم يجب عليها الصيام مدة الحيض والنفاس وإنما تقضي من أيام آخر، فهذه أمور يجب على المسلم أن يفطن لها وأن يبتعد عنها، وكذلك من المفطرات مما يدخل إلى الجوف ويغذي الإنسان الإبر المغذية التي يأخذه الإنسان عن طريق الوريد وهي تغذي فإنها تبطل الصيام لأنها تقوم مقام الطعام والشراب، أما الإبر التي تأخذ تحت الجلد أو في العضل فإنه لا يؤثر على الصيام لأنها لا تصل إلى الجوف ولا تغذي، أما الإبر التي تأخذ عن الوريد وهي لا تغذي لكنها تخالط الدم وتخرج مع الدم فإنه موضع خلاف بين العلماء والأحوط للمسلم أن يتجنبها وإذا احتاج إليها فإنه يستعملها بالليل فإن احتاج إليها في النهار فإنها يأخذها ويقضي صيامه لأنه مريض هذا أحوط له، فالإبر على ثلاثة أنواع النوع الأول ما يفطر بالإجماع وهو الإبر المغذية، النوع الثاني: ما لا يفطر بالإجماع وهو ما يكون تحت الجلد ولا يحصل إلى داخل الجوف فهي لا تغذي ولا تخالط الدم فلا تؤثر على الصيام، وأما النوع الثالث وهو ما يأخذ عن طريق الوريد وهو ليس من المغذيات لكنه يختلط بالدم فهذه موضع الخلاف والأحوط للإنسان أن يتجنبها محافظةً على صيامه، ومن أكل أو شرب ناسياً فإن هذا لا يؤثر على صيامه لقوله صلى الله عليه وسلم: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ، كذلك مسألة الدم استخراج الدم دم اليسير الذي يؤخذ عينة للتحليل وليس هو بكثير فهذا لا يؤثر على الصيام لأنه ليس في معنى الحجامة فل يؤثر على الصيام ولكن تجنبه إلى الليل يكون أحوط للإنسان.

اتقوا الله، عباد الله، حافظوا على صيامكم من المفطرات والمنغصات لأجل أن يكون صياماً مبرئاً للذمة مقبول عند الله سبحانه وتعالى لتحزوا على فضله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ* أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،   أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله تعالى، وحافظوا على صيامكم، واعلموا أن الصيام هو ليس مجرد ترك الطعام والشراب فقط ولكنه مع ذلك ترك لكل ما حرم الله، فالصائم يجتنب ما حرم الله عليه في الصيام خاصة وما حرم الله عليه في سائر الأوقات، فيحفظ لسانه عن الكذب وعن الغيبة والنميمة والشتم والسباب وقول الزور وشهادة الزور، ويحفظ بصره من النظر إلى ما حرم الله من النساء والصور الفاتنة والنظر في الشاشات والمحطات الفضائية التي تعرض فيها الفتن وتعرض فيها المناظر الخبيثة المهيجة للشهوات فيغض بصره عن ذلك ويغض بصره عن الصور التي تكون في المجلات وفي الأوراق التي فيها فتنة من صور النساء فإن فتنتها شديدة، وكذلك الصائم يصون سمعه عن سماع الكذب وسماع الغيبة وسماع النميمة وسماع المسلسلات الهابطة والمضحكات يصون سمعه عن هذه الأمور التي تعرض في وسائل الإعلام يصون سمعه عن ذلك يصون سمعه عن سماع الأغاني وعن سماع المزامير يصون سمعه عن كل ما حرم الله فليس الصيام هو ترك الطعام والشراب فقط قال صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به وليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .

فتقوا الله،عباد الله،حافظوا على صيامكم من المفطرات ومن المفسدات والمنقصات، صوموا بما يطله الصيام ظاهراً وباطناً مع تقوى الله سبحانه وتعالى.

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر،وعمرَ،وعثمانَ،وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين،اللَّهُمَّ من أردا الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه وردد كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللهم أصلح وولاة أمرونا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللهم أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين،(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.