تفسير آية سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)


السؤال
نُفسِر الآية الكريمة في قولِ الحقِ تبارك وتعالى- في سورة الإسراء أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[ الإسراء 70]
الاحابة
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعين، في هذه الآيةِ الكريمة يُخبرُ اللهُ- سبحانه وتعالى- عن تكريمهِ لبني آدم وذلك يدلُ على شرفِ هذا النوع من الخلق لأنَّ الله سُبحانه وهبَ لهُم العقول وميّزَ بينهم وبين المخلوقات التي لا تعقِل وأعطاهم- سبحانهُ وتعالى- من نِعمهِ ما يستيعنون بهِ على عبادتهِ التي خلقهم من أجلها، قالَ -سبحانهُ-{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56]، وقال تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [ البقرة 21}اللهُ خلقهُم لعبادتهِ، وتَكّفَل بأرزاقِهم،{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [ الذاريات 57] وعبادتهم للهِ سُبحانه شرفٌ لهم، ومصلحتها لهم أيضًا، لأنها تربطهم باللهِ- عَزَّ وَجَلَّ تستجلِبُ لهم – رضي الله- وتستجلبُ لهُم النِعَم، وأعلى من ذلك أنها تكونُ سببًا لدخولِهم الجنة، فاللهُ كرّم بني آدم فيما خَصّهم بهِ من أنه خلقهم لعبادتهِ- سبحانهُ وتعالى-تَكّفلَ بأرزاقِهِم،{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} وعبادتهم لله شرفٌ لهم ومصلحتها راجعةٌ إليهم، فأما الله- جلَّ وعلا- لا تنفعهُ طاعةُ المُطيعين ولا تضرهُ معصية العاصين، وإنما يرجعُ أثرُ ذلكَ عليِهم خيرًا أو شرّا، وهذا من فضلهِ – سبحانهُ وتعالى- أنَّ اللهَ-كرّم بني آدم على غيرهِ من سائِرِ المخلوقات بما حملهُم من واجِبِ العبادة للهِ- سبحانه- ليواصل لهم الإكرام في الدنيا والآخرة، ثُمَّ قال جلَّ وعلا- {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} حملهم الله- سبحانهُ -في أسفارِهم وترحالِهِم على وسائل النقل المُريحة التي تحملُ أثقالهم،ويركبونها في أسفارِهم ففي البرّ سخّرَ اللهُ لهم ما هو معلومٌ في كل زمان من ركوبِ الإبلِ والخيلِ، ثُمَّ جَدَّ بعد ذلك ركوب السيارات والطائرات كما قالَ تعالى{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [ النحل 8] وصار الناس الآن يمتطونَ السيارات والطائرات هذا في البرّ وفي البحر سَخّرَ لهم المراكِب والسُفُن التي تحملهُم على عُباب الماء ولا تغوص في الماء بل إنها تمشي على الماء، وهذا من تسخير الله- سبحانهُ وتعالى-{وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}يعني من الحلال الطيّب الذي يُغذيهم تغذيةٍ جيدّة، تغذيةً طيبة، ويقويهم على عبادة الله وشُكرِ الله- سبحانهُ وتعالى- أحلَّ لهم الطيبات حرّم عليهم الخبائِث، -قالَ جلَّ وعلا-{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباًوَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [البقرة 169]  قال سبحانهُ وتعالى{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ،إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ} [ البقرة 172]، ما حرّمَ عليهم إلا الخبائِث  يُحلُ لهم الطيبات ويُحرمُ عليهم الخبائِث، {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} وأمرهم بأكلها  والتمتع بها، وفي ضمنِ ذلك أنهُ حّرّمَ عليهم الخبائِث التي تضرُهُم، تُغذيهُم تغذيةً خبيثة{وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}ثُمَّ قال{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} فَضلهُم الله بالعقول، فضلَهُم اللهُ بشرَف العبودية للهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فضلّهُم الله- بأشياء كثيرة على سائِرِ المخلوقات، المخلوقات كلها مُسخَرَة لهم،{خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [ البقرة 29] والله جعلَ كل ما في المخلوقات كلها لمصالِح بني آدم، ومنها يأكلون ويتمتعون ،{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} على كثيرٍ من المخلوقات.