قصة موسى وقومه مع فرعون وقومه- خطبة الجمعة 05-01-1435هـ


الخطبة الأولى:

الحمد الله على فضله وإحسانه جعل في قصص الأولين عبرة لأولي الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهاجرين منهم والأنصار، وسلم تسليماً كثيرا،     أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن في قصص الأنبياء وأممهم عبرة للمعتبرين وتذكيرا للمؤمنين: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ومما قصه الله في القرآن العظيم:

قصة موسى عليه الصلاة والسلام لقد كررها الله في القرآن ليعتبر بها أهل الإيمان وينزجر بها  أهل الطغيان، فكان فرعون أعتا كافراً على وجه الأرض بلغ من الكفر أنه أدعى الربوبية فقال لقومه: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) فصدقه قومه من جماعته من القبط وتجبروا على بني إسرائيل ذرية الأنبياء، ولما بلغ فرعون أن غلاما يبعث من بني إسرائيل يكون هلاك فرعون على يده، جعل يتتبع الحوامل من بني إسرائيل، يتتبع الحوامل من نساء بني إسرائيل فإن ولدت ذكرا قتله وإن ولدت أنثى أبقها للخدمة في بيوت آل فرعون: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ)؛ ولكن الحذر لن ينجي من القدر.

فلما ولد موسى عليه السلام ألهم الله أمه أن تجعله في صندوق من الخشب وأن تلقيه في نهر النيل فحمله النهر وأوصله إلى آل فرعون فالتقطوه وفرحوا بهذا الصندوق فوجدوا فيه هذا الغلام فلما رأته امرأة فرعون أحبته حباً شديدا وقالت لفرعون: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)؛ ولكن الله سبحانه وتعالى منعه من رضاعة النساء فكان لا يقبل رضاعة أي امرأة من النساء، فلما ضاق بهم الأمر جاءت أخت موسى على خفيه: (فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)، ففرحوا بذلك وأرسلوه معها إلى أم موسى: (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ) فجعلت ترضعه وتأخذ الأجرة من آل فرعون على إرضاعه وشب في آل فرعون يلبس ملابسه ويركب مراكبه ونشأ في آل فرعون كأنه من أبناءهِ إلى أن أختاره الله سبحانه وتعالى لرسالته، أرسله إلى فرعون وأرسل معه أخاه هارون ليعاضده وقال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، فذهب إلى فرعون بأمر الله جل وعلا: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى* قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى*) يعني: الأمم السابقة ( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)، عند ذلك طلب من موسى أن يعرض عليه الدليل على أنه رسول فرفع موسى يده فإذا هي بيضاء كالشمس، وألقى عصاه  فإذا هي حية تسعى، فقام البرهان الصادق على رسالة موسى عليه السلام بهاتين المعجزتين عند ذلك كابر فرعون، وقال: هذا سحر وعندنا من السحرة من يبطل هذا السحر، ثم طلبوا من موسى أن يحدد يوما للعرض لعرض ما معه وعرض ما مع السحرة ليبطلوه فواعدهم يوم الزينة يوم عيد لهم يجتمعون فيه الناس في الضحى أول النهار، فلما اجتمعوا قالوا للموسى: ألق، فألقى عصاه قالوا لموسى: ألق ألقي ما معك قال: ألقوا أنتم ما معكم أولا فالقوا ما معهم أمتلئ الوادي من الحبال والعصي التي فيها الزئبق فتتحرك كأنها حيات: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) أن يصدقهم الناس قال الله جل وعلا: (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى)، فألقى موسى عصاه فإذا هي تبتلع كل ما في الوادي مما ألقوه وخافوا على أنفسهم أن تداهمهم فطلبوا منه أن يكفها عنهم فأخذها عليه الصلاة والسلام وعادة كما كانت، عند ذلك عرف السحرة أن هذا ليس بسحر وأنه معجزة من آيات الله فأمنوا، أمنوا للموسى عليه الصلاة والسلام وسجدوا لله عز وجل متعبدين لله عند ذلك هددهم فرعون بأن يقتلهم وأن يصلبهم، فثبتهم الله على دينه ولم يعبئوا بتهديد فرعون: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)، فقتلهم ونفذ فيهم وعيده؛ ولكنهم دعوا الله: قالوا: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) فتوفاهم الله مسلمين عند ذلك تمت الجولة الأولى بين موسى وفرعون وأزداد طغيانه عند ذلك أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر في آخر الليل، فخرج بهم بأمر الله سبحانه وتعالى فلما علم فرعون بخروجهم أحتنق غيظاً وهدد وأرغ وأزبد وجمع ما عنده من القوة والجنود فخرج بهم في آثر موسى وقومه لينتقم منهم، فلما أشرق الفجر إذا موسى وقومه على حافة البحر، وإذا فرعون وقومه على آثارهم قد أدركوهم قال قوم موسى عليه السلام: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) لأن البحر أمامهم والعدو خلفهم، قال موسى عليه السلام: (كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: (أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضرب البحر بعصاه فتجمد وصار طرقاً على قدر قبائل بني إسرائيل اثنى عشر طريقا، على قدر أسباط بني إسرائيل من بين أطباق البحر المتجمدة كأنها الجبال فدخل موسى وقومه مع هذه الطرق اليابسة حتى خرجوا من الساحل الآخر، فتبعهم فرعون وجنوده فلما تكاملوا في البحر أطبقه الله عليهم وأغرقهم أجمعين وموسى وقومه ينظرون إليهم.

فكانت هذه النتيجة أن الله نجا موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، أنتصر الحق وأندحر الباطل في اليوم العاشر من هذا الشهر، شهر الله المحرم فصامه موسى عليه السلام شكرا الله على هذا النصر وهذه النعمة، وصامه بنو إسرائيل من بعده واستمروا على صيامه حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وفيها من اليهود من يصومون يوم عاشوراء فسألهم صلى الله عليه وسلم: لما تصومون هذا اليوم؟ مذكرا لهم وإلا فهو يعلم فضل هذا اليوم وما جرى فيه قالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه قال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى موسى منكم فصامه وأمر بصيامه وقال: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر وقال: خالفوا بني إسرائيل صوموا يوما قبله ، فاستقرت السنة، استقر صيامه سنة في هذه الأمة شكرا لله عز وجل لأن انتصار موسى عليه السلام انتصار للمؤمنين في كل زمان انتصار للحق في كل زمان ولأن سنة الأنبياء واحده: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ).

 فصار صيام يوم عاشوراء سنة مؤكده أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وأمر صلى الله عليه وسلم بصيامه.

فيستحب لكل مسلم أن يصوم هذا اليوم وأن يصوم يوما قبله اقتداءً بالنبيين الكريمين موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، واغتناما لهذا الأجر فصوموه وفقكم الله وأحرى ما يكون في هذا الشهر أن يصام يوم الأربعاء ويوم الخميس حتى يصادف التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر فصوموه بارك الله فيكم، اكتسبوا الأجر من الله، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا،                أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، في يوم عاشوراء أفترق الناس إلى ثلاثة فرق:

فالمسلمون يصومونه شكرا لله على نصرة الحق، واقتداءً بالنبيين الكريمين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، واغتناما للأجر.

والرافضة يحزنون فيه ويظهرون الحزن والجزع لزعمهم على مقتل الحسين رضي الله عنه فيبكون ويضربون أنفسهم بالسلاسل وينعون وينحون ويصرخون ويعذبون أنفسهم حزنا على الحسين رضي الله عنه كما يدعون.

ومن المسلمين من يفرح في هذا اليوم يسميه يوم عيد ويوسع على عياله ويظهر بمظاهر العيد بالزينة وغير ذلك هذا بدعة.

وكلا الطرفين الذين يحزنون فيه والذين يفرحون كلاهم مخطئون ومبتدعون، أما من يصومه ويشكر الله على هذه النعمة فهو الوسط الذي على السنة والحمد لله .

واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللَّهُمَّ اجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين وأراد بلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، وردد كيده في نحره، وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أحفظ بهم أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.

خطبة الجمعة 05-01-1435هـ