كلمات رمضانية 05-09-1434هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مما شرعه الله في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح، وذلك في أول الليل، من أراد أن يتزود من آخر الليل ما شاء الله فإن ذلك زيادة خير، ولكن صلاة آخر الليل في العشرين الأول هذه ترجع إلى الأفراد، كل منهم يصلي ما تيسر له إضافة إلى صلاة التراويح في أول الليل، أما في العشر الأواخر فإن السنة والسلف الصالح كانوا يتهجدون في آخر الليل مع صلاة التراويح، ويصلون أول الليل صلاة التراويح، ويصلون آخره صلاة التهجد، ليحيوا هذه الليالي المباركة الشريفة العشر الأواخر يحيوها بالصلاة فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر الأواخر كان في أول الشهر يصلي وينام، فإذا دخلت العشر الأواخر لم يذق غمضا عليه الصَّلاة والسَّلام، كان يقض أهله ويشد مئزره ويحي ليله عليه الصَّلاة والسَّلام.

الحاصل أن صلاة التراويح سنة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كان صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، مَنْ قَامَ رَمَضَانَ المراد بذلك: قيام التراويح وقيام ما تيسر معها، إِيمَانًا أي: تصديقا بثوابها وفضلها لا رياءً ولا سمعة، وَاحْتِسَابًا طلبا للأجر الذي وعده الله فيها، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، فالمؤمن يحتسب هذه المغفرة، ويطلبها.

وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ، فأرجع الأمر إلى الإمام، فالإمام هو المتحمل للجماعة، ولإحياء المسجد، فعليه مسئولية في هذا الأمر، إذا دخل رمضان فليتهيأ وليقم بما شرع الله له، ويشجع الجماعة، ويحي المسجد الذي هو فيه بصلاة التراويح، تهجد في آخر رمضان، فإن بعض الأئمة الكسالى في هذا الزمان الذين يدعون العلم يكسلون عن صلاة التراويح وعن التهجد؛ بل ربما يقولون إنها بدعة، لأجل أن يستريحوا منها يلجئون إلى البدعة، إذا صار الرسول صلى الله عليه وسلم مبتدعا، لأنه صلى بأصحابه ليالي من رمضان وأثبت السنية لهم والجماعة، ثم لما خشي أن تفرض عليهم تأخر عنهم، فصاروا يصلونها جماعات متفرقين ما تركوها؛ بل استمروا عليها حتى جاء عمر رضي الله عنه في خلافاته فجمعهم على إمام واحد، كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي التي صلاها بهم، فعمر أعاد السنة أحي السنة التي بدأها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالإمام يجب عليه أن يقوم بالإمامة على الوجه المشروع، وأن لا يحرم الجماعة من صلاة التراويح ويلجأ إلى الكسل، وإلى ألتماس المعاذير، بعضهم يذهب للعمرة ويعتكف ويترك المسجد الذي تكفل بإمامته، وهذا عدم قيامه بالأمانة التي حملها وتحملها، فإما أن يقوم بالإمامة كما شرع الله، وإما أن يترك الإمامة لغيره، أما أن يحتجز الإمامة ولا يقوم بها، ويلوذ بالأعذار وأنه أعرف بالسنة من غيره، وأنه وأنه...، هو ما يعرف السنة أصلا؛ لكن يريد أن يبرر لنفسه هذا الكسل، هذا لا يجوز له.

فالواجب على أئمة المساجد أن يتقوا الله، وأن لا يحرموا الجماعة من صلاة التراويح، وأن يصلوها بهم على الوجه المشروع ليحصل الأجر لهم ولمن خلفهم، لأن الإمام إذا أحسن فله أجره وأجر من يصلي خلفه كما في الحديث: يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ ، فالإمام عليه مسئوليه فلا يجوز أن يتولي الإمامة إنسان كسلان، وإنسان مهمل؛ بل لا يتولاها إلا من يقوم بها لأنها أمانة، تحملها فليقم بها.

ثم على الإمام أن يسمع المأمومين القرآن كله، ما يقتصر على أول القرآن أو على سور منه، ويقول الختمة ما هي بواجبة هذا من جملة الأعذار الواهية، إلا الختمة مشروعة، أنك تسمع المأمومين وهكذا كان السلف يعملون هذا، فيوزع القرآن على الليالي حتى إذا جاء آخر الشهر إذا هو قد انتهى منه فيختمه هكذا كان هدي السلف الصالح، أنهم يقرؤون القرآن كله في صلاة التراويح والتهجد ويختمونه في آخر الشهر، فلا يسيطر الكسل على هؤلاء الأئمة المعاصرين لا نقول كلهم لكن نقول كثيرا منهم وبعضهم يقتدي ببعض، ويتهربون من صلاة التراويح ومن التهجد ويلتمسون لهم الأعذار الباردة، هؤلاء عطلوا المساجد ولم يقوموا بما تحملوه وحرموا من خلفهم من صلاة التراويح عطلوا فضائل كثيرة فهكذا يفعل الكسالى، وأما أهل الجد والاجتهاد فإنهم يفرحون بهذا الشهر ويحيون لياليه بالتراويح والتهجد والصلاة من آخر الليل، يختمون القرآن يقرؤونه كله في الصلاة يوزعونه على الليالي حتى يسهل عليهم ويسهل على من خلفهم، ويتلذذ الجميع بسماع كلام الله سبحانه وتعالى، فالإمام إن أحسن فله أجره وأجر من خلفه، وإن أساء فمن خلفه مأجورون وهو مأثوم - والعياذ بالله -، لأنه لم يقم بالأمانة التي تحملها فهذه مسئوليه، وهي الإمامة.

كان الأئمة يعرفون بالجد والاجتهاد في مساجدهم طيلة حياتهم، فيه ناس يتلون الإمامة وهم شباب ويستمرون معها إلى آخر العمر حتى تعرف المساجد باسمهم، فيقال مسجد فلان ومسجد فلان لأنه كان إماماً فيه، وعرف به، لملازمته هذا المسجد حتى عرف به، كأنه هو الذي بناه نعم هو بناه بالطاعة وبناه بالعبادة وأحياه فصار ينسب إليه وهذا شيء معروف عند الناس إلى عهد قريب يسمون المساجد بأسماء الأئمة الذين يصلون فيها لأنهم لازموها ويبقوا فيها إلى آخر أعمارهم، يلتمسون الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى، وهذه عبادة عظيمة، طاعة عظيمة، نغنم من المغانم، والإنسان يعود نفسه، فإذا عود نفسه اعتادت، وألفت وتلذذت، وإذا أطاعها في الكسل والخمور والراحة شردت به عن طاعة الله عز وجل:

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه *** فكن طالبا في الناس أعلى المراتب

نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح والاستقامة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

***