العقيدة الطحاوية 03-02-1439هـ


دروس معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

الكتاب: شرح العقيدة الحاوية لابن أبي العز الحنفي

التاريخ:3/2/1439 هــ

من قول المؤلف: "واعلم أن هذين الاسمين، أعني الحي القيوم مذكوران.."

إلى قول المؤلف: "وقد أورد أبو المعالي في إرشاده.."

ملخص الدرس:

قال المؤلف: "وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، أَعْنِي: الْحَيَّ الْقَيُّومَ مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ مَعًا فِي ثَلَاثِ سُوَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُمَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُمَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، فَإِنَّهُمَا يَتَضَمَّنَانِ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَكْمَلَ تَضَمُّنٍ وَأَصْدَقَهُ.." الحي هو الذي له الحياة الكاملة لا موت فيها ولا سنة ولا نوم؛ وقيل: إن اسم الحي ترجع له صفات الذات والقيوم ترجع له صفات الأفعال، والقيوم صيغة المبالغة من القيام – أقوى في المعنى من القَيَّام؛ فالله هو القائم بنفسه والمقيم بشؤون خلقه – ولذلك قيل: إنهما الاسم الأعظم. والقيوم اسم يدل على الأزلية في الماضي والأبدية في المستقبل وكمال قدرته وغناه عما سواه وأن غيره محتاج إليه، "وَاقْتِرَانُهُ بِالْحَيِّ يَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا وَدَوَامِهَا، وَانْتِفَاءِ النَّقْصِ وَالْعَدَمِ عَنْهَا أَزَلًا وَأَبَدًا. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255] أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ." ففيها أثبت الله لنفسه صفات الكمال ونفى عن نفسه كل صفات النقص.

قال المؤلف: "قَوْلُهُ: (خَالِقٌ بِلَا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلَا مُؤُونَةٍ) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ..﴾" ما خلقهم ليستعين بهم، إنما خلقهم لعبادته وليس هو بحاجة إليهم؛ فلا تنفعه الطاعات ولا تضره المعاصي، والمنافع منها كلها ترجع إلى الخلق. "﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15] ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ [محمد: 38]" له الغنى المطلق وللخلق الفقر المطلق، وهو الذي يخلق ويرزق ولا يحتاج إلى أحد. "وَقَوْلُهُ بِلَا مُئُونَةٍ: بِلَا ثِقَلٍ وَلَا كُلْفَةٍ."

"قَوْلُهُ: (مُمِيتٌ بِلَا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بِلَا مَشَقَّةٍ) ش: الْمَوْتُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2] وَالْعَدَمُ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مَخْلُوقًا. وَفِي الْحَدِيثِ: (أَنَّهُ يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ) وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا فَاللَّهُ تَعَالَى يَقْلِبُهُ عَيْنًا.." والأعيان هي الموجودات؛ فالعين هو جسم له ذات موجود مشاهد والعرض هو ما ليس له ذات مشاهد.

"قَوْلُهُ: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا، كَذَلِكَ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا) أَيْ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ: صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ وُصِفَ بِصِفَةٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا، لِأَنَّ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ، وَفَقْدَهَا صِفَةُ نَقْصٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِضِدِّهِ. وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذِهِ صِفَاتُ الْفِعْلِ وَالصِّفَاتُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا، كَالْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ، وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالطَّيِّ، وَالِاسْتِوَاءِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ، وَالنُّزُولِ، وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُدْرِكُ كُنْهَهُ وَحَقِيقَتَهُ الَّتِي هِيَ تَأْوِيلُهُ، وَلَا نَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُتَأَوِّلِينَ بِآرَائِنَا، وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا، وَلَكِنْ أَصْلُ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ لَنَا، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] (الْأَعْرَافِ: 54) : كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ." فصفات الله ملازمة لذاته لا بداية لها ولا نهاية – وتلك صفات الذات، مثل: اليد والقدم؛ وصفات المعاني، مثل: العلم والسمع والبصر؛ فنثبت ما أثبت الله لنفسه كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم؛ قد جاء ذكره في القرآن والسنة، والكيف مجهول، لا يعلم كيفيته إلا الله، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

"وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ تَحْدُثُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ)" هذه الصفات توجد في كل وقت وتجدد في كل وقت ولا يعلم ذلك إلا الله؛ "لِأَنَّ هَذَا الْحُدُوثَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُمْتَنَعٍ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ الْيَوْمَ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا بِالْأَمْسِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ حَدَثَ لَهُ الْكَلَامُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَكَلِّمٍ لِآفَةٍ كَالصِّغَرِ وَالْخَرَسِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ يُقَالُ: حَدَثَ لَهُ الْكَلَامُ، فَالسَّاكِتُ لِغَيْرِ آفَةٍ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالْقُوَّةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ، وَفِي حَالِ تَكَلُّمِهِ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْكَاتِبُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ هُوَ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ كَاتِبًا فِي حَالِ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْكِتَابَةِ." وهذا في المخلوق فالخالق أولى به.

"وَحُلُولُ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ تَعَالَى، الْمَنْفِيُّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ، لَمْ يَرِدْ نَفْيُهُ وَلَا إِثْبَاتُهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَفِيهِ إِجْمَالٌ: فَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْيِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَحِلُّ فِي ذَاتِهِ الْمُقَدِّسَةِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْمُحْدَثَةِ، أَوْ لَا يَحْدُثُ لَهُ وَصْفٌ مُتَجَدِّدٌ لَمْ يَكُنْ - فَهَذَا نَفْيٌ صَحِيحٌ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ إِذَا شَاءَ، وَلَا أَنَّهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى، وَلَا يُوصَفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ النُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْإِتْيَانِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ - فَهَذَا نَفْيٌ بَاطِلٌ." لا يقال (يحل فيه الحوادث)، هذا كلام باطل لا ندخل فيه، وإذا قيل لك: هل الله يحل فيه الحوادث؟ نقول: إذا كنت تقصد أن الله منزه عن الجوع والمرض مثلاُ، فنعم، ولكننا لا نقول (لا يحل فيه الحوادث) هذا من مصطلحات أهل الكلام ولم يرد ذكرها في الشرع لا في الكتاب ولا في السنة؛ فلا ندخل في الجدليات والافتراضات التي أحدثتموها؛ لأن الله أعلم بنفسه وما وصف نفسه.

ولا نقول: الصفات زائدة على الذات ولا نقول: الاسم غير المسمى، أو بتسلسل الحوادث، ولا غيره من أقوال أهل الكلام؛ فإن الذات يستعمل للصفة والموصوف معاً، فإذا استعنت بصفة من صفات الله استعنت بالله وذكر الصفة وسيلة إليه؛ ولا يتصور في الخارج ذات مجرد عن الصفات؛ والاسم هو المسمى في الخارج، أما التفريق بينهما هذا يتصور في الذهن فقط – ولا ندخل في هذه الأمور إلا في مقام الرد عليهم، ونتبع ما جاء به الكتاب والسنة.   

بعض الفوائد من الدرس:

  1. ورد في السنة أن الحي القيوم اسم الله الأعظم.
  2. الحي اسم ترجع له جميع صفات الذات والقيوم ترجع له جميع صفات الأفعال – فالاقتران بهما يدل على الكمال.
  3. صفات الله ملازمة لذاته لا يتصور وجود ذات في الواقع ليس له صفات.
  4. لا ندخل في جدليات أهل الكلام بمصطلحات أحدثوها، إنما نثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبت له رسوله ﷺ وننفي ما نفاه عن نفسه وما نفى عنه رسوله ﷺ في الكتاب والسنة.