شرح كتاب التوحيد 03-06-1437هـ


المُقدَّم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى قَائْدُ الغَّرُ المحَجَلِيْن نَبِيِّنَا مُحَمَّدُ وَعَلَىْ آَلِه وَصَحَبِه أَجْمَعِيْن.
مرحبًا بكم أيها الأخوة والأخوات في درسٍ جديدٍ من دروس التوحيد هذه الدروس وهذا الكتاب للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
 ضيف هذا اللقاء هوفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء؛ أهلًا ومرحبًا بالشيخ صالح في هذا الدرس.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم .
المتن:
قَالَ المُؤلِف -رَحِمْهُ اللهُ- بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ.
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الشرح:
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمْهُ اللهُ-: بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ، ما جاء من الوعيد في الرياء؛ والرياء هو أن يتظاهرُ الإنسان بالعمل الصالح والصلاح يريدُ بذلك مراءة الناس، ولا يريدُ وجه اللهَ؛ كما قال الله -جَلَّ وَعَلَّا- في المنافقين: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً).
والرياء على نوعين:
النوع الأول: رياء المنافقين؛ الذين هم في الدرك الأسفل من النار لأنهم يدَّعون الإيمان يتظاهرون به، وينكرونه في قلوبهم، وإنما قصدهم في هذا خديعة المؤمنين والتغرير بهم كما قال اللهُ -جَلَّ وَعَلَّا-: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، وهذا النوع من الرياء كفرٌ بلاشك.
النوع الثاني: الرياء الأصغر؛ بأن يكون قصد الإنسان العمل الصالح والتقرب إلى الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى- ولكن يدخله شيءٌ من مراءة الناس، وأصل قصده أنه لله، وهذا هو الذي خافه النَّبِيِّ عَلَيِهِ -الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- على أصحابه حينما قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟» «أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ».
فأصل العمل أنه لله؛ لا نفاق فيه، ولكن يطرأ على الإنسان حبه المدح وحبه المظهر المناسب، وهذا يخدش في عمله، لأنه يخدش في الإخلاص للهِ -عَزّ وَجَلّ-، ولهذا خافه النَّبِيِّ -عَلَيِهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- على أصحابه، «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ»، وهذا هو الرياء الأصغر، الذي ينقص العمل ولا يبطل العمل، لكن ينقصه.
المتن:
قَاْلُ اللَّهُ -تَبَارْكَ وَتَعَالَى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ).
الشرح:
يقول اللهُ -جَلَّ وَعَلَّا- لنبيه: (قُلْ)، أي قل للناس، (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فهو مخلوقٌ مثلما يُخلق البشر، من أمٌ وأب -عَلَيِهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- بشرٌ مثلكم لكن يتميز على البشر، الفرق بأنه يُوحى إليه، يُوحي اللهُ -جَلَّ وَعَلَّا- إليه: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)،هذا ما يوحى إليه التوحيد، إخلاص العمل لله -عَزّ وَجَلّ-.
والإله: هو المعبود، من التأله؛ وهو المحبة والعبودية لله -عَزّ وَجَلّ-.
 (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّه)، يوم القيامة؛ لأنه لا بد أن يلاقى الناس كلهم ربهم يوم القيامة، مؤمنهم وكافرهم، لكن المؤمن يرجو لقاء الله لأن الله يغفر له وأن الله يرحمه، وأن اللهَ يكرمه، يرجو هذا اللقاء مع الكريم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً)، لأن الرجاء وحده لا يكفي، فلابد أن يعمل عملًا صالحًا.
والعمل الصالح هو ما كان خالصًا لوجه الله، وصوابًا على سٌنَّةِ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فالعمل الصالح الذي اجتمع فيه هذان الشرطان، الإخلاص لله -عَزّ وَجَلّ- وإفراد الله -جَلَّ وَعَلَّا- بالعبادة، والإقتداء بالرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما في قوله: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) هذا الإخلاص، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي متبع للرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا هو الإحسان المقصود في هذه الآية الكريمة وأمثالها.
(فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، لأن الشرك يُبطل العبادة، والمراد هنا الشرك الأصغر، لأنه إذا راءى الناس بعمله بطل عمله ولم يكن له فيه ثواب.
 المتن:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِيَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشرح:
يقول اللهُ -جَلَّ وَعَلَّا- في الحديث القُدسيّ؛ الذي يرويه النَّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربِّه أنَّ اللهَ قال: «أنا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّركِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكتُهُ وشِرْكَهُ»، وفي روايةٍ: «وهو لِلَّذي أشْرَكَ، وأنا مِنهُ برِيءٌ».
فاللهُ لا يقبلُ العملَ الذي يدخله رياء، أو يدخله سُمعة، لأنه لا يكونُ خالِصًا لوجه الله -عَزّ وَجَلّ-.
المتن:
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعاً: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ؟»  قَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي، فَيُزَيّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشرح:
نعم؛ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ لأصحابه الدَّجال وفِتنة الدَّجال، ثم قام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ، فالناس تذَاكَرَوا الدَّجال وخافوا أنه قد ظهر؛ لأن الرسول خوَّفَ منه تخويفًا شديدًا، فخافوا أنّه قد ظَهَرَ الدَّجال.
فخرج إليهم الرَسُول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورآهم على هذه الحالة مِنَ الخوف، قال: «ألا أُخبِرُكُم بِمَا هو أخوفُ علَيكُم عِندِي مِنَ المَسيحِ الدَّجالِ؟ قالوا: بلى، قال: الشِّركُ الخَفِي» الشِّرك الأصغر، لأن الشِّرك الأكبر يتجنبه المسلم، ولكن الشِّرك الأصغر الذي هو الرياء قلَّ مَنْ يتجنبه، لأنه يدخُل على الإنسان حُبُّه الرئاسة وحُبُّه المدحَ، وحُبُّ الحياة الدنيا والطمع، فهذا يؤثِّر على عبادته.
المتن:
في هذا الباب مسائل:
الأولى: الأمرُ العظيمُ في ردِّ العمل الصالح إذا دخله شيءٌ لغير اللهِ.
الشرح:
الأمر العظيم: أي الأمر المحذور الكبير الذي يتضمنه هذا الحديث، وهو أنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَّا- يرُدّ  العمل الصالح بسبب ما يدخله مِنَ الرياء، ومحبة المدح والثناء، فهذا خطرٌ عظيم.
فعلى الإنسان أنْ يُخلِصَ عمله لله، ولا يقصِدُ به رياءً ولا سُمعةً.
المتن:
المسألة الثانية:
ذِكرُ السبب الموجِب لذلك؛ وهو: كمال الغِنى.
الشرح:
السبب الموجِب أنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَّا- لا يقبلُ عمل المُرائي: أنَّ اللهّ غنيٌّ عنه، واللهُ غنيٌّ عن كل شيءٍ، غنيٌّ عن خلقِهِ، وغنيٌّ عن مخلوقاته، غنيٌّ بنفسه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهذا هو السبب في أنَّ الله لا يقبل العمل الذي فيه رياء.
المتن:
المسألة الثالثة:
إنَّه مِنَ الأسباب: أنه -تعالى- خير الشُّركاء.
الشرح:
أنَّه -تَعَالَى- خير الشُّرَكاء؛ لا يُنازِع الشريك، بل يترُك العمل كله له، لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربِّهِ: «أنا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّركِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكتُهُ وشِرْكَهُ»، وفي روايةٍ: «وهو لِلَّذي أشْرَكَ، وأنا مِنهُ برِيءٌ».
وهذا كما في قوله -تَعَالى-: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا)؛ قال اللهُ -جَلَّ وَعَلَّا-: (فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّه)، لا يصِل إلى الله لأن اللهَ لا يقبله وهو بريءٌ منه -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-.
المتن:
المسألة الرابعة:
خوف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-على أصحابه مِنَ الرياء.
الشرح:
خوفُ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-على أصحابه؛ وهم الصَحب الكِرام، صحابة رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخيرُ القرون؛ خافَ عليهم الرياء، فكيف بمَن بعدهم؟ كيف إذا طال الزمان؟ فالخوفُ أشد على المتأخرين مِنْ خوفِ الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-على أصحابه الكِرام.
المتن:
المسألة الأخيرة: أنَّهُ فسَّرَ ذلك بأنَّ المرء يُصَلي لله لكن يُزينها لِمَا يرى مِنْ نظر الرجل إليه.
الشرح:
المؤمن يُصَلِّي لله، ما قام ولا جاء إلى المسجد ولا قام للصلاة إلا وهو يريد اللهَ -جَلَّ وَعَلَّا- ويُطيع الله -عَزّ وَجَلّ-، لكن يطرأ عليه هذه الهاجس في نفسه؛ وهو أنه يُحِب أنْ يُمدَح أو يُثنَى عليه في هذا العمل، فحينئذٍ يبطُل عملُهُ أو ينقُص عند الله -سُبحانَهُ وَتَعَالَى-.
فقرة الأسئلة:
السؤال:
مَنْ وَقَعَ في هذا العمل -أي الرياء- لكن يُدافِع هذا الرياء ويُجاهِد نفسَهُ والشيطان، ماذا نقولُ في عملِهِ؟
الجواب:
عملُهُ صالح، لكنه ينقصه ما دخلَهُ مِنَ الرياء، ينقصه؛ وأمَّا رياء المنافقين فهو يُبطِلُ العمل بكُلِّه، لكن الرياء الذي يحصُل على المسلم هذا ينقُصُ عملَهُ ولا يُبطِله، وهو الشرك الأصغر.
السؤال:
هل هناك فرقٌ بين الشرك الخفيّ والشرك الجليّ؟
الجواب:
الشرك الخفيّ الذي في القلب، نية الإنسان لا يعلمها إلا الله -سُبْحَانَهُ-، فإذا كان ينوي بقلبه أو يُريدُ بقلبه مدح الناس وثناء الناس؛ هذا الناس لا يرونه، لكن الله -جَلَّ وَعَلَّا- يعلمه، فيؤثِّر هذا على عمل الإنسان، وقد يُبطِلُ عملَ الإنسان.