الفوزان يرد على المزيني: "بيان خطأ المخالف ليس احتكاراً للمعرفة واتهاماتك تشير إلى عجزك عن الرد"

الفوزان يرد على المزيني: بيان خطأ المخالف ليس احتكاراً للمعرفةواتهاماتك تشير إلى عجزك عن الرد

اطلعت على ما كتبه حمزة قبلان المزيني بعنوان: (حوار مع الشيخ الفوزان) في صحيفة الوطن يوم الخميس 26/5/1427هـ يعقب على ما رددت به عليه في موضوع المناهج الدراسية التي شغلت باله وأشغل بها غيره. ولم يزل مصرا على ما قال وإن كان خطأ واضحاً برأ منه نفسه بقوله: ويبدو أن الشيخ الفوزان كتب تعقيبه مستعجلا فقولني ما لم أقل وفهم عني ما لم أقصد. وكنت أود أن يكون رد فضيلته بعيدا عن التشكيك في النوايا وعن التجهيل وادعاء المعرفة واحتكارها والحدة في الكلام). وهذا المقطع من تعقيبه يتضمن عدة نقاط هي: أنني قولته ما لم يقل ولم يقصد، وأنني شككت في نيته فيما قال وجهلته وادعيت المعرفة لنفسي واحتكرتها عنه. وردي على هذه الاتهامات أنني - والحمد لله - ما ذكرت عنه إلا ما قال بفمه وكتب بقلمه. وهو موجود في صحيفة الوطن في العدد الذي أشار إليه ولم أتعقب كل ما قال توفيرا لوقت القارئ من إضاعته فيما لا فائدة فيه. ولم أكن مستعجلا في تأمل كلامه كما يظن. وأما نيته وقصده فأنا إنما أحكم على ألفاظه وأما النيات فلا يعلمها إلا الله سبحانه ولا ينفع حسن النية والقصد مع الخطأ في القول والعمل. والله سبحانه قد حذرنا من فلتات اللسان وسيئ الأقوال خصوصا في الأمور الشرعية مثل مضامين المناهج الدراسية من فقه وتوحيد وحديث وتفسير وولاء وبراء. وهو ما وقع فيه المزيني وأمثاله من عيب مقررات تلك الفنون العظيمة بغير علم. وأما أنني أدعي المعرفة وأحتكرها لنفسي فأنا أعوذ بالله من ذلك. وهل إذا بينت خطأ المخالف أكون قد احتكرت المعرفة لنفسي - ولكن أظن المزيني قال ذلك لأنه لا يملك ردا على تعقيبي عليه إلا بتلك الاتهامات الخاطئة مع أنه يدعي الحوار حيث قال في العنوان: (حوار مع الشيخ الفوزان). وأما ما وصفني به من الحدة فهل يتوقع مني أن أثني عليه في عمله وأترك مناقشته حتى لا أكون حاداً؟. ثم قال المزيني: ومن أمثلة اتهامات فضيلته للضمائر قوله: وأنت لم تحط بمقررات جميع المراحل من البداية إلى النهاية وأقول له ليس هذا اتهاما للضمائر وإنما هو تشخيص لسبب وقوعك في الخطأ إذ لو أحطت بجميع مقررات المراحل الدراسية لأدركت أنها متكاملة يكمل بعضها بعضا. وقد وضعها علماء أجلاء لهم سابقة في التعليم والتربية وقد أنتجت هذه المناهج والمقررات رجالا أكفاء قاموا بمهام جليلة من الأعمال في الدولة. فهم لم ينشأوا من فراغ ولم يتخرجوا على مناهج قاصرة ومختلة كما تقول، وكيف تتهمني بالتجهيل وأنت قد جهلت واستغفلت هؤلاء الصفوة الجليلة من العلماء والمتعلمين. ثم قال المزيني: (أما تسميته - يعنيني - غير المسلمين بالكفار بإطلاق فتنفيها الآيات الكثيرة التي وردت الإشارة فيها إلى أهل الكتاب وتلك الآيات التي تثني على بعضهم وتلك التي تشهد بأنهم ليسوا سواء) وأقول: نعم غير المسلمين من جميع الأمم كفار. وأقول أيضاً: الله سبحانه قد كفر كثيرا من أهل الكتاب وذمهم ولعنهم في القرآن. قال تعالى: (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ) وقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَة) وهم لا يزالون يرددون هذه المقالات إلى الآن فهل تقول أنت أو غيرك إن هؤلاء غير كفار والله قد كفرهم ونهانا عن موالاتهم . قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). و أما أن منهم مسلمين مؤمنين فهذا حق. وأنا لم أقل إن جميع أهل الكتاب كفار. بل هم كما قال الله: (لَيْسُوا سَوَاءً) وهؤلاء المؤمنون منهم هم في عداد المسلمين - إذا فيصح أن يقال إن ما عدا المسلمين كفار بإطلاق. والمسلمون من أهل الكتاب قسمان: قسم ماتوا على إسلامهم قبل البعثة المحمدية. وقسم أدركوا البعثة المحمدية وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فلهم أجرهم مرتين وأما من أدرك منهم محمداً صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهو كافر أيضاً لأن الله أمر كل الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث حيث قال له: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) وقال في أهل الكتاب خاصة: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا دخل النار ، فلا دين إلا دينه صلى الله عليه وسلم وقول المزيني عن الجهاد واستنكاره لذكره في المقررات الدراسية (فقولي لم يكن إلغاء للجهاد بل مطالبة بأن تفقه شروطه وحدوده في الوقت الحاضر بعيدا عن الشروط والحدود التي وضعها الفقهاء والمفسرون القدماء الذين كانوا يعيشون في عالم تختلف فيه العلاقات عن العصر الحاضر) أقول: اعترف المزيني (والحمد لله) بأن المقررات الدراسية فيها بيان شروط الجهاد وضوابطه حسبما جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه العلماء لكنه لا يرضى هذه الشروط والضوابط لأنها من وضع القدامى - كأنهم عنده جاءوا بها من عندهم ولم يأخذوها من الكتاب والسنة. وهذا تجهيل للسلف ووصف لأحكام الجهاد المأخوذة من الكتاب والسنة بأنها لا تصلح للوقت الحاضر - وكأن الشرع قاصر عن مواكبة العصر الحاضر. فأي جهل أعظم من هذا الجهل؟ وليته وضع هذه الشروط والحدود التي يقترحها حتى ينظر فيها وهل توافق الكتاب والسنة فتكون بديلة عن شروط السلف وحدودهم وحينئذ نحكم على السلف بأنهم قد أخطأوا وأصاب المزيني، ثم يقول المزيني إن تقسيم الجهاد إلى جهاد دفاع وجهاد طلب مخالف لما يراه معظم علماء المسلمين الآن من أن الجهاد مقصور على جهاد الدفع لكن الشيخ لا يقيم لهذا الرأي المخالف وزنا، ذلك أن آراءه هو وحده هي التي تنطلق من الكتاب والسنة والعقيدة الصحيحة وتقوم على منهج الكتاب والسنة ومنهج السلف. هذا ما قاله المزيني في حقي وحسابه على الله.

وأقول له: إن كان هؤلاء العلماء الذين نسبت هذا القول إليهم لا يرون جهاد الطلب أصلا وأنه لم يشرع فهذا جحود لما دل عليه الكتاب والسنة من مشروعية جهاد الطلب عند القدرة عليه. وإن كانوا يقولون إن المسلمين الآن لا يطالبون بالقيام به مؤقتا لضعفهم عنه فهذا صحيح وأنا أقول به ولكن ليس معنى هذا أن يلغى ذكر جهاد الطلب ولا تدرس أحكامه في المقررات الدراسية، لأن هذا إلغاء لحكم من أحكام العقيدة. وأما قوله عني: إنني لا أقيم وزنا لرأي غيري. وإني أعتبر رأيي وحده هو الذي ينطلق من الكتاب والسنة... إلخ فهذا اتهام أبرأ إلى الله منه وهو اتهام لا يصدر إلا من عاجز عن الرد بالحجة الصحيحة. ومثل هذا قوله إن الشيخ الفوزان لا يرى أن هؤلاء الأعداء هم غالبا مَنْ صَنَعَ الخطاب الذي ينتمي إليه وهو تيار يرى أنه وحده الذي يمثل الحق وأن من خالفه أدنى مخالفة إنما يمثل الباطل - وأقول: أنا والحمد لله أنتمي إلى خطاب الكتاب والسنة ولا أنتمي إلى تيار الأعداء. وإنما أحذر منه لأن تيار الأعداء هو النداء جهارا بأفكارهم والتماس إرضائهم ولو على حساب الدين وأن تغير مناهجنا لأجلهم. ثم تناول المزيني مسألة جواز تزوج المسلم من الكتابية حيث أباح الله لنا تزوج المرأة المحصنة من أهل الكتاب وأخذ المزيني من ذلك أنه يدل على جواز محبة الكفار وعدم البراءة منهم حيث قال: فكيف يمكن أن يتعامل مع زوجته وهو يعلن البراءة منها ومما هي عليه؟ وأقول: تعامل المسلم مع هذه الزوجة إنما هو من التعامل الدنيوي. وزوجها لا يحبها محبة دينية ولا يحب دينها وإنما يحبها محبة زوجية فقط بدليل أنه لو طلقها زالت تلك المحبة ولو كانت دينية لم تزل. وأيضاً تزوج المسلم من الكتابية هو من جنس إقرار أهل الكتاب على دينهم إذا دخلوا تحت حكم الإسلام وبذلوا الجزية. والزوجة تدخل تحت حكم الزوج ويسيطر عليها سيطرة تامة وتزوجه منها وسيلة إلى دخولها في الإسلام، لأن أهل الكتاب يعلمون أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الحق وأنهم مأمورون باتباعه كما قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ولكنهم حسدوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته فلم يتبعوه تكبرا وعنادا - فحري بالزوجة أن تزول عنها هذه الغمة وترجع إلى الصواب.

 

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء

صورة للمقال