إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 18-05-1439هـ


التاريخ: 18/5/1439هـ

من قول المؤلف: وقال تعالى: ﴿والْعَاقِبَةَ لِلْمتُقّيِنَ﴾

إلى قول المؤلف: فصل: وتمام الكلام في هذا المقام العظيم يتبين بأصول نافعة جامعة

ملخص الدرس:

قال المؤلف: وقال تعالى: ﴿والْعَاقِبَةَ لِلْمتُقّيِنَ﴾ [الأعراف: 128] وقال: ﴿وَالْعَاقِبةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132 " لما ذكر الله في القرآن ما يجري في هذه الدنيا من المداولات بين الحق والباطل وأهلهما ذكر أنه تعالى يجعل العاقبة للمتقين، وقبل العاقبة تكون هناك مداولات بين الحق والباطل للابتلاء والامتحان ولكن في النهاية تكون العاقبة الحسنة لأهل الحق والحق، ولكن هذا يحتاج إلى الصبر وعدم اليأس، فمع الصبر تكون العقبة للمتقين وتكون للتقوى "والمراد: العاقبة في الدنيا قبل الآخرة" قد يفهم بعض الناس أن هذا في الآخرة، لا هي في الدنيا قب الآخرة والمشاهد في التاريخ أن أهل الحق في النهاية منصورون.

"لأنه ذكر ذلك عقيب قصة نوح، ونصره وصبره على قومه. فقال تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أنْتَ وَلا قَوْمكَ مِنْ قَبْلِ هذَا فَاصْبِرْ إنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمتُقّينَ﴾ [هود: 49] أي عاقبة النصر لك ولمن معك، كما كانت لنوح عليه السلام ومن آمن معه." ذكر الله لنبيه ما جرى بالأنبياء وأمره بالصبر، وأن العاقبة الحسنة له؛ فالمؤمن إذا تذكر هذا فإنه يطمئن ويصبر ولا يستعجل. ومن معجزات النبي ﷺ أن الله علمه أخبار الأمم السابقة دليلا على صدقه. ﴿فَاصْبِرْ إنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمتُقّينَ﴾ أي: على ما سيكون من الكفار ومكيدهم والعاقبة لك ولقومك، وعلق العاقبة بهذا الوصف: للمتقين كما كانت مع نوح ومن اتبعه من قومه.

"وكذلك قوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132]" يقول الله لنبيه ﷺ بالصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، ويقف بين يدي ربه ويناجيه ويدعه، ويركع ويسجد، والصلاة عبادة عظيمة تشتمل على عبادات قولية وفعلية، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وهذا في الصلاة، قال تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: 19] فالسجود يقربك من الله - سبحانه وتعالى – فالصلاة صلة بين الله وعبده ولذلك فرضها الله في كل يوم وليلة خمس مرات يذكره ويثني عليه ويدعوه مع حضور القلب فيها بخلاف المنافقين. ومصلحة الصلاة وكل العبادات ترجع للعبد والله غني عنها.

"وقال تعالى: ﴿وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرٍّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾ [آل عمران: 120]" أي: لا يضركم كيد الكفار شيئا؛ فإن الله معكم، معية خاصة، ومن كان الله معه فإنه لا يغلب ولا يخسر، والله يعينه ويرزقه. "وقال: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: 125]" الملائكة تنزل مع المؤمنين وقت الجهاد، لا أنها تقاتل أو تحمل السلاح، ولكن لتثبت المؤمنين ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تنزل لتثبت المؤمنين ويحجز الكفار في مكان حتى يلحق المؤمنين بهم، ويلقي في قلوب الكفار الرعب، كما في غزوة بدر وغزوة أحد وكل قتال المؤمنين إذا صدقوا مع الله. "وقال إخبارًا عن يوسف عليه السلام أنه نُصِرَ بتقواه وصبره، فقال: ﴿أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90] فالحاصل أن العاقبة صارت ليوسف وأخيه، والشاهد: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فمن يتق الله ويصبر على ما أصابه ولا يستعجل فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

"وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: 29]" يعني: يجعل في قلوبكم معرفة الحق من الباطل والفرق بينهما؛ فالتقوى يفيد هذه الفائدة العظيمة: أن الله يجعل في قلبه الفرقان الذي يعرف به الحق من الباطل. "والفرقان: هو العزّ والنصر والنجاة والنور الذي يُفرِّق بين الحقّ والباطل. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2، 3] فالله علق على التقوى خيرات كثيرة في آيات كثيرة، منها: أن يجعل له مخرجا من كل ضائقة، وأن يأتيه رزقه من جهة لا يدري، ومن يعتمد على الله فهو كافيه، والله يسدده ويرزقه بسبب التقوى، والله يقدر مقادير كل شيء. "وقد روى ابن ماجه وابن أبي الدنيا عن أبى ذر رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: "لو عَمِل الناسُ كلهم بهذه الآية لَوسِعَتْهم" وإنما هو مقصرون في العمل بهذه الآيات والبينات وهو من ضعف تكلهم. "فهذا في المقام الأول."

وأما المقام الثاني، فقال تعالى في قصة أُحُدٍ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165]" أمر الرسول ﷺ الرماة أن يلزموا الجبل، ويحمون المؤمنين من ظهورهم سواء انتصروا أم هزموا، فلما خالفوا أمره ونزلوا دار الكفار عليهم من خلفهم، وحصلت على المؤمنين نكبة وأصيب الرسول ﷺ بسبب بعض الرماة خالف أمر الرسول ﷺ وعصوه فصار شؤم هذه المعصية على الجميع، هذه ثمرات المعاصي حتى مع أفضل الخلق؛ لأن العقوبة إذا نزلت تعم، فعمت من لم يعص. "وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: 155]." في غزوة أحد خرج بعض الناس معهم ثم تراجعوا، فسلط الله عليهم الشيطان ببعض ذنوبهم، وقد قال الله مبينا أن المصائب عقوبة على لمعاصي: "﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]" فعلى المسلمين أن يحاسبوا أنفسهم وأن يتقوا المعاصي والله يعفو عن كثير ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾

"وقال: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]" الفساد في البر: ما أصاب الناس من تسلط العدو والقحط والجذب، وفي البحر: ما يصيب السفن والمراكب من الغرق كل ذل بسبب المعاصي لعلهم يتوبون. "وقال: ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ﴾ [الشورى: 48]." والمراد بالفرح هنا الأشر والبطر كفرح قارون، وأما الفرح بنعمة الله فمطلوب. "وقال: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: 36]" هذه صفة الإنسان إلا من رحم الله. "وقال: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 34]" ومن آيات الله أن المراكب الضخمة تقف على الماء ولا تغوص يحملها الماء وهذه من رحمة الله، ويغرق بسبب ذنوب بعض الناس. "وقال: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: 79]."

ولهذا أمر الله سبحانه رسولَه والمؤمنين باتباع ما أُنزل إليهم، وهو طاعته وهو المقدمة الأولى، وأمر بانتظار وَعده، وهو المقدمة الثانية، وأمر بالاستغفار والصبر؛ لأن العبد لا بدّ أن يحصل له نوع تقصير وسَرَف يزيله الاستغفار" الاستغفار له مكانة عالية عند الله وهو طلب المغفرة، لا بطلب اللسان فقط، ولكن باللسان والقلب؛ ولا بد مع الطاعة من الاستغفار؛ ولذلك شرع الله الاستغفار بعد العبادة: فإذا صليت وفرغت من الصلاة تستغفر الله ثلاثا، إذا قمت من المجلس تستغفر الله كفارة المجلس، في ختام العمر تستغفر الله ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ هذه علامات أجل الرسول ﷺ فأمره الله بالاستغفار والتوبة مع أنه رسول الله ﷺ فكل مسلم بحاجة إلى الاستغفار والتوبة "ولا بدّ في انتظار الوعد من الصبر، فبالاستغفار تتمّ الطاعة، وبالصبر يتمّ اليقين بالوعد" إذا تأخر المطلوب يصبر، ولا يقنط ويقول: دعوت وعوت ولم يستجب لي، يصبر وينتظر الفرج "وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [غافر: 55]" أمر الله بالصبر والاستغفار، هذا أمر لنبيه ﷺ وللأمة؛ والعشي هو من زوال الشمس وقت الظهر، والإبكار: أول النهار صلاة الفجر.

"وقد ذكر الله سبحانه في كتابه قصص الأنبياء وأتباعهم، وكيف نجَّاهم بالصبر والطاعة، ثم قال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111]." أي: كان في قصصهم عظة لأصحاب العقول، الذين ينتبهون بالقصص ويستفيدون منها هو أصحاب العقول.

 

الفوائد الحسان من دروس الفوزان.

فوائد درس شرح إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، الأحد-18-5-1439ه.

 

الفائدة الأولى: في قوله تعالى: (والعاقبة للمتقين)، قبل العاقبة هناك مداولات بين الحق والباطل للابتلاء والامتحان، لكن النهاية الحسنة تكون للحق وأهل الحق، ولكن هذا يحتاج إلى صبر من أهل الحق وعدم اليأس واستبطاء النصر، فلا بد من الصبر، ثم مع الصبر تكون العاقبة للمتقين.

 

الفائدة الثانية: قد يفهم بعض الناس أن العاقبة في الآية المراد بها العاقبة في الآخرة، وهذه حاصلة لا محالة، لكن المقصود العاقبة في الدنيا قبل الآخرة، وهذا مشاهد، قال تعالى: (فاصبر إن العاقبة للمتقين). والله تعالى لا يخلف وعده، فالمتقون لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، والمؤمن إذا ذكر هذا الوعد من الله تعالى يصبر ولا يستعجل.

 

الفائدة الثالثة: الرسول صلى الله عليه وسلم ما أدرك الأمم السابقة، ولكن الله سبحانه وتعالى أخبره وأعلمه بشيء لم يشاهده ولم يره؛ ليكون ذلك معجزة له ودليلا على صدقه ونبوته، قال تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا). فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف هذه الأمور ولم يشاهدها وكذلك العرب لم يعرفوها من قبل.

 

الفائدة الرابعة: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بالصبر على ما يكون من أذى الكفار ومكيدتهم فقال: (فاصبر إن العاقبة للمتقين). فعلق تعالى حسن العاقبة بالتقوى، والمعنى: فاصبر فإن العاقبة لك ولمن معك من قومك كما كانت العاقبة قبل ذلك لنوح ومن معه: (فأنجيناه وأصحاب السفينة) والبقية غرقوا.

 

الفائدة الخامسة: يقول الله تعالى لنبيه صلى الله ليه وسلم: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها). سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي عبادة عظيمة لأنها تشتمل على عبادات قولية وفعلية، وهي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، قال تعالى: (واسجد واقترب). أي اقترب من ربك بالسجود.

 

الفائدة السادسة: من أهم ما يبين فضل الصلاة وأهميتها أن الله جل وعلا فرضها خمس مرات في اليوم والليلة، فهي عبادة عظيمة لمن عقلها وتدبرها بخلاف من يتحرك بالركوع والسجود بدون حضور قلب وخشوع كصلاة المنافقين الذين يصلون مداراة أو من باب الاعتياد فمثل هؤلاء لا تنفعهم الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يرتاح في الصلاة، وكان يقول: "أرحنا بها يا بلال"، وهي تحتاج إلى صبر، فالذي لا يصبر لا يرتاح في الصلاة.

 

الفائدة السابعة: الله جل وعلا لم يطلب من عباده رزقًا ولا إعانة، وإنما أمرهم بالصلاة لمصلحتهم هم، أما الله جل وعلا فإنه غني عنهم، وكل الطاعات إنما فرضت لمصلحة العبد: (إن تكفروا فإن الله غنيٌّ عنكم). "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا" فالعبادة راجعة إلى العبد لمصلحته وحاجته هو

 

الفائدة الثامنة: من إكرام الله لعباده المؤمنين الصادقين أنه يأذن للملائكة فتنزل وقت الجهاد لتثبت المؤمنين وتطمئنهم، ويحجزوا لهم الكفار حتى يقتلوهم، فالملائكة لا تحمل السلاح ولا تقاتل، ولكنها تثبت المؤمنين، كما حصل في بدر وأحد، فإذا صدق المسلمون أنزل الله الملائكة تثبتهم.

 

الفائدة التاسعة: لما حصل ليوسف وإخوته ما حصل ورجعوا إلى أبيهم وهم في غاية الهم والغم وقد فقدوا أخاهم بنيامين-حيث كاد يوسف عليه السلام لاستبقائه عنده-لما حصل ذلك واسترجع يعقوب عليه السلام، وسلَّم الأمر لله عز وجل وصبر، كانت العاقبة ليوسف وأخيه، مصداقا لقوله تعالى: (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).

 

الفائدة العاشرة: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم). أي يجعل في قلوبكم معرفة الحق من الباطل، والفرق بين الحق والباطل، فالتقوى تفيد هذه الفائدة العظيمة، أن الله يجعل في قلب صاحبها الفرقان الذي يعرف به الحق من الباطل.

 

الفائدة الحادية عشرة: الله سبحانه وتعالى علق على التقوى خيرات كثيرة في آيات كثيرة، فقال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) أي: من كل ضائقة، (ويرزقه من حيث لا يحتسب)، أي يأتيه رزقه من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يدري، ومن جهة لا يدري أنه يأتي منها. (ومن يتوكل على الله) أي يعتمد عليه (فهو حسبه) أي كافيه، (إن الله بالغ أمره) أي: بالغ أمر هذا العبد ومسدده ورازقه بسبب التقوى.

 

الفائدة الثانية عشرة: في قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو عمل الناس كلهم بهذه الآية لوسعتهم" وكفتهم من كل ما يهمهم، وإنما يقصرون في العمل بهذه الآيات وهذه البينات، يؤتون من تقصيرهم ومن غفلتهم وضعف توكلهم على الله سبحانه وتعالى.

 

الفائدة الثالثة عشرة: في غزوة أحد حصلت للمسلمين نكبة لما التقى المسلمون والكفار عند جبل أحد- الجبل المعروف-، حصلت للمسلمين نكبة بسبب مخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقتل من المسلمين سبعون، وأسر سبعون، وأصيب الرسول صلى الله عليه وسلم وغاصت حلقتان من المغفر في رأسه الشريف، ووقع في حفرة، وحصلت مصيبة عظيمة للمسلمين بسبب أن الرماة تركوا الجبل، وهذه معصية للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه ثمرات المعاصي والعياذ بالله، حتى مع أفضل خلق الله وهم صحابة رسول الله، والعقوبة إذا نزلت تعم حتى من لم يعص.

 

الفائدة الرابعة عشرة: قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). الفساد معناه ما يصيب الناس في البر من تسلط العدو ومن الجدب والقحط، وفي البحر: ما يصيب السفن والمراكب من الغرق، وكل هذا بسبب الذنوب والمعاصي، والحكمة: (ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) يعني يتوبون إلى الله سبحانه وتعالى.

 

الفائدة الخامسة عشرة: قوله تعالى: (وإنَّا إذا أذقنا الإنسان منَّا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور): (منَّا) أي: من الله جل وعلا منًّا منه وفضلا (رحمة فرح بها)، والمراد بالفرح هنا فرح الأشر والبطر، وإلاَّ الفرح بنعمة الله مطلوب، لكن لا يكون فرح أشر وبطر كفرح قارون: (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين). (وإن تصبهم سيئة) بسبب ما قدمت أيديهم من الذنوب والمعاصي (فإن الإنسان كفور) ينسى نعمة الله عليه، وينسى ما أعطاه الله.

 

الفائدة السادسة عشرة: قوله تعالى: (وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون). يفرحون عند السراء، ويقنطون عند الضراء، وهذه صفة الإنسان إلا من رحم الله.

 

الفائدة السابعة عشرة: الاستغفار له مكانة عند الله، وهو طلب المغفرة، ولا بد أن يكون باللسان والقلب معًا، والانسان محل تقصير دائما فيحتاج إلى الاستغفار، ولذلك شرع الله الاستغفار بعد العبادة كما في الاستغفار بعد الصلاة، وفي ختام المجلس، وفي ختام العمر، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يختم حياته بالاستغفار والتوبة مع أنه رسول الله، فكل مسلم بحاجة إلى الاستغفار والتوبة إلى الله عزوجل.

 

الفائدة الثامنة عشرة: إذا تأخر المطلوب يصبر المسلم ولا يستعجل ويقنط ويقول دعوت فلم يستجب لي. لا، يصبر وينتظر الفرج، قال تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم:(فاصبر) أيها الرسول (إن وعد الله حق واستغفر لذنبك) صبر واستغفار، وهو أمر للرسول وللأمة، (وسبح بحمد ربك) التسبيح هو التنزيه، أي: نزه ربك عما لا يليق به من الشرك ومن النقائص والعيوب، (بالعشي) وهو من زوال الشمس، (والإبكار) وهو أول النهار عند صلاة الفجر.

 

تمت بحمد الله

 

‪‪ الأسئلة المنتقاة من الدروس الملقاة، لمعالي الشيخ صالح الفوزان.

أسئلة درس شرح إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان-18-5-1439هـ

 

السؤال الأول: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: إذا حضرت المرأة إلى الجامع في صلاة الجمعة، فهل تصلي ركعتين أم تصلي أربع ركعات ظهرا؟

الجواب: تصلي مع المسلمين ركعتين جمعة تكفيها عن الظهر.

 

السؤال الثاني: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: ما يسمى بالأربعين التي تجعل للميت بعد وفاته، هل هي أمر مبتدع؟

الجواب: نعم أمر مبتدع وليس هناك أربعين للميت ولا لغيره.

 

السؤال الثالث: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: المنكرات الظاهرة التي تنتشر بين الناس بين فينة وأخرى، ما كيفية إنكار هذه المنكرات الظاهرة التي تكون عامة؟

الجواب: قال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، "يغيره بيده" هذا لأصحاب السلطة، لأعضاء الهيئة الذين عينهم ولي الأمر لإنكار المنكر، "فإن لم يستطع" يعني ليس له يد ولم يكن من أعضاء الهيئة "فبلسانه"، يبلغ الهيئة وهذا من إنكار المنكر باللسان، فيبلغ أعضاء الهيئة هذا من الإنكار ولا يكفي أنه يسكت ويقول أنا ما علي ولا أنا من الهيئة، لا، أنت منهم. "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه" تنهاهم عن المنكر فإن لم يمتثلوا تبلغ الهيئة، تسعى في إزالة هذا المنكر،" فإن لم يستطع فقلبه" يعني ابتعد عن هذا المكان ولا تجلس وتقول أنا منكر بقلبي لا، إذا أنكرت بقلبك ابتعد عن المكان هذا.

 

السؤال الرابع: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: من يرتكب المنكرات والكبائر ثم يتوب منها ويرجع مرة أخرى لهذه الكبيرة، يقول: ما النصيحة في مثل هذا، هل يستمر على استغفاره وندمه أم ماذا يصنع؟

الجواب: نعم، لابد أن يستمر على التوبة والاستغفار ولو تكرر منه ذلك؛ كلما حصل منه ذنب ومعصية يستغفر ويتوب ما هو بلسانه فقط، لكن بلسانه وبقلبه وبفعله أيضاً، استغفار صادق ما هو استغفار باللسان، ولا يقنط من رحمه الله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمه الله إن الله يغفر الذنوب جميعا).

 

السؤال الخامس: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: من فاتته صلوات كثيرة فهل يصلي ما فاته عقب الصلاة تلك، فيصلي الفجر مع الفجر والظهر مع الظهر وهكذا؟

الجواب: لا، يبادر بقضائها مرتبة، في مجلس واحد إن استطاع، وإن لم يستطع يوزعها على مجالس حسب استطاعته، ولا يقرنها بالصلوات بحيث يصلي بعد كل صلاة الصلاة الفائتة لا، يصليها متتابعة في مجلس واحد حسب استطاعته.

 

السؤال السادس: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: هناك من العلماء المتأخرين من يقول بأن العمل هو شرط للإيمان، يقول ما المقصود بهذا الكلام، وهل هو قول صحيح؟

الجواب: هذا كلام غير صحيح، العمل من الإيمان، الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا تعريف الإيمان، فالعمل من الإيمان وليس شرطا للإيمان، وما قال هذا أحد من العلماء المعتبرين.

 

السؤال السابع: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: كيف يستطيع المسلم أن يميز أن المصيبة التي وقعت عليه هي بسبب معاصيه أو هي ابتلاء من الله عز وجل؟

الجواب: هي بمعاصيه كما قال الله جل وعلا: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم). وهل هناك أحد يسلم من المعاصي؟! لا أحد يسلم لكن باب التوبة مفتوح ولله الحمد.

 

السؤال الثامن: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: صلاة الكسوف هل وقعت عدة مرات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: لا، حصلت مرة واحدة، كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاها بهم صلاة الكسوف، وأما القمر فلم يحصل منه خسوف في عهده صلى الله عليه وسلم.

 

السؤال التاسع: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: هل هناك صلاة تسمى بصلاة التوبة، إذا أذنب الإنسان ذنبا فإنه يتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله؟

الجواب: نعم ورد هذا، فإذا فعلها فلا بأس.

 

السؤال العاشر: فضيلة الشيخ وفقكم الله هذا سائل يقول: الصدقة عن الميت يوم الجمعة بخصوصه هل لها فضل في الشرع؟

الجواب: لا، هذا بدعة، تخصيص يوم الجمعة بالصدقة عن الميت هذا بدعة، الصدقة مشروعة في أي يوم من أيام السنة ولا سيما في وقت الحاجة، إذا كان الإنسان محتاجا تأتي وتقول له أعطيك يوم الجمعة؟!