فتح المجيد شرح كتاب التوحيد 20-01-1439هـ


دروس معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

الكتاب: شرح فتح المجيد

التاريخ: 20/1/1439 هـ

من قول المؤلف: "وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل.."

إلى قول المؤلف: "قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: الطيرة شرك"

ملخص الدرس:

وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل على جواز الطيرة، كقوله صلي الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاث: في المرأة، والدابة، والدار." وهذا حديثٌ صحيح ولكنه لا يدل على جواز التطير؛ فإن الله قد جعل في بعض خلقه شراً، مثل بعض النساء والمركوبات والمساكن؛ فهو الذي خلقها وهو الذي خلق الخير والشر والأخيار والأشرار، وجعل في هذا شراً وفي ذاك خيراً وبركة؛ فبعض الأشياء مشؤومة بقضاء الله وقدره – كما بين ذلك ابن القيم؛ وقد يكون الشيء المخصوص مثل المرأة شراً لك ولكنها مباركة لغيرك، ومثل ذلك الدابة والدار.

 

وقوله: "ولا هامة" – الهامة: طير من طير الليل كالبومة؛ فكانوا يتشاءم بها أهل الجاهلية إذا وقعت على بيت أحدهم أنه سيصيبه موت أحد أهل تلك الدار. "ولا صفر" – قيل: الشهر (وهو الأرجح)، وقيل: مرض في الأمعاء كأنه حية أو دودة في البطن ينشأ عن المرض، وقيل: إن المراد النسي الذي هو نقل أوقات الأشهر الحرم إلى أوقات أخرى ومنها: صفر. "ولا نوء" وهو وقت نزول المطر. "ولا غُول" بالضم وهو جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس، تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم، أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم؛ فنفى النبي ﷺ الشؤم فيها والتشاؤم بها.

 

وعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة." الفأل: كلمة طيبة أو اسم طيب يرجو الإنسان بسماعها وقوع خير وهو من إحسان الظن بالله بخلاف التطير الذي هو من سوء الظن به؛ فالفأل ليس من الطيرة المنهي عنها، وهو من الطيرة الحسنة – كما أن الرقية منها شركية ومنها شرعية – ومن أسباب تعلق القلب بالله وإحسان الظن به والتوكل عليه، وقال الحُليمي: " وإنما كان صلي الله عليه وسلم يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال". ولذلك عن عروة بن عامر قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك" فإذا خطر على بال إنسان التشاؤم بشيء فليقول بهذه الكلمات ولا ترد مسلماً بخلاف الكافر، بل يرفضها ويتوكل على الله أو يقول: "اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك". أي لا تأتي الطيرة بالحسنات ولا تدفع المكروهات، بل أنت وحدك لا شريك لك الذي تأتي بالحسنات وتدفع السيئات. و"الحسنات": هنا النعم، و "السيئات": المصائب. وفي هذه الكلمات نفي التعلق بغير الله فلا تحول الأحوال إلا بقدرة الله ومشيئته سبحانه وتعالى. 

بعض الفوائد من الدرس:

  1. الحديث: "الشؤم في ثلاث: في المرأة، والدابة، والدار." لا يدل على جواز التطير.
  2. أن الله هو الذي خلق الخير والشر كله، وجعل في بعض الخلق شراً وفي بعضه خيراً وبركة بقضائه وقدره.
  3. نفي التشاؤم بالأشياء.
  4. مشروعية الفأل: وهي كلمة طيبة أو اسم طيب يرجو الإنسان بسماعها وقوع خير؛ لأنه من حسن الظن في الله بخلاف التطير الذي هو من سوء الظن فيه؛ فالفأل ليس من الطيرة المنهي عنها، وهو من الطيرة الحسنة.
  5. من وجد في نفسه شيئاً من التشاؤم فليقول: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. وفي ذلك نفي التعلق بغير الله وهذا هو توحيد الله في ربوبيته وألوهيته.