التحذير من زعزعة أمن واستقرار البلاد- خطبة الجمعة 26-01-1435هـ


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين: (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا،  أما بعد

أيُّها الناس، اتقوا الله وتعالى، واشكروه على ما أنعم عليكم من الأمن والاستقرار ورخاء العيش والطمأنينة واجتماع الكلمة في هذا البلد، وذلك بسبب تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحكيمه لشرع الله فتلك أسباب انبساط النعم واندفاع النقم؛ ولكن أعداء الإسلام في الداخل والخارج يحاولون زعزعة هذه النعمة وإزالتها بكل والسائل المكر، ووسائل الشر وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تدعى عليكم الأمم كما تدعى الآكلة على قصعتها قالوا: أما قلت نحن يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قبل أعداءكم ويوقع في قلوبكم الوهن قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت إنه حديث عظيم يصف الواقع.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك محذرا لنا عند وقوعه أن نأخذ حذرنا وحيطتنا، فهاهم يقطعون بلاد المسلمين وبلاد العرب يقتلون ويشردون ويخربون ويقسمون إلى مذاهب وولايات متقطعة وهذه البلاد - ولله الحمد - ما تزال في نعمة وأمن واستقرار؛ ولكنهم يدسون عليها الشر بوسائل متنوعة يدسون الأفكار الخبيثة لأجل أن يفسدوا شباب المسلمين إما إلى متشددين على غير جادة صحيحة تمسك بدينهم تمسكا مقلوب، وإما بالتساهل والانحلال ليخرجونا عن طريق الوسط الذي تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالسير عليه، طريق الوسط بين الغلو والتشدد وبين التساهل والميوعة، هذا هو الصراط المستقيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).

وأيضا يحاولون تخريب العقول وتدمير العقول بنشر المخدرات والمسكرات والمفترات ليفسدوا عقول شبابنا؛ بل وعقول كبارنا بهذه المخدرات التي تتسرب إلى هذه البلاد كتسرب السيل العارم أو السيل العرم من كل حدب وصوب، طمعا بما فيها من الدراهم ذات القيمة التي تغري الأشقياء في جلبها وترويجها أو طمعا في إفساد عقول شباب المسلمين وشابات المسلمين حتى من أجل أن ينشئ جيل هابط، وينشئ جيل لا خير فيه يكون وجوده كعدمه، عقوله مدمرة، أفكاره مخربة، ليس له مستقبل هكذا يريدون كما تسمعون وتقرءون من أخبار ترويج المخدرات على أيدي أناس من الداخل والخارج يجلبونها إلى بلاد المسلمين.

وكذلك يخربون الأعراض بما يبثونه من مشاهد مخزية، مشاهد فاضحة فيها هتك للأعراض وكشف للأستار وفيها المظاهر القبيحة التي تغري بوقوع الشهوات - ولا حول ولا قوة إلا بالله -، وذلك في وسائل البث التلفزيوني أو البث في الانترنت أو في التويترات أو في الجوالات أو في كل وسيلة بأيد شبابنا وبناتنا حتى أخربت بيوتهم وأعراضهم - ولا حول ولا وقوة إلا بالله .

وأعظم من ذلك ما يروج فيها من الشبهات التي تفسد العقيدة وتخل بالدين، والفتاوى الضائعة الضالة التي تأتي من كل حدب وصوب من أناس إما أنهم جهال لا يعرفون من العلم شيئا وإما أنهم علماء ضلال - والعياذ بالله - كل هذا يغزوا هذه البلاد ليلا ونهارا، وضحيته هم أبناء المسلمين وبنات المسلمين هذه الوسائل تغزوا البيوت وتأتي للأولاد والبنات على فرشهم بهذه الوسائل التي في أيديهم، دائما يقلبونها وينظرون فيها حتى وهم يمشون، وحتى وهم راكبون على السيارات، وحتى وهم نائمون على فرشهم ، وحتى وهم جالسون تجد أبصارهم مشدودة بها يقلبونها، حتى قالوا إن فيها إدماناً أن الذي يعتادها يدمن يصبه الإدمان فلا يصبر عنها لأنها فتنة - والعياذ بالله -.

فالخطر شديد يا عباد الله، وكلكم مسئولون عن بلادكم، مسئولون عن أولادكم، مسئولون عما يدخل بلادكم من الشرور أن تكونوا حراسا لهذه البلاد، فليس ذلك مقصورا على رجال الأمن؛ بل كلكم رجال أمن، والأمن ليس للحكومة فقط الأمن لكم وقبل كل شيء، الأمن لكم فحافظوا عليه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، لتكونوا على حذر دائم وعلى أُهُبة واستعداد لدفع الباطل والإبلاغ عنه، لا تسكتوا على شيء أو تتستروا على شيء فإن هذا مثل الجمرة أو الشرارة تحرق الجميع إذا تركت وأهملت فلا تقولوا هذا من حق ولاة الأمور من حق رجال الأمن نعم هو من حقهم في الدرجة الأولى؛ ولكن أنتم أيضا كلكم رجال أمن، والأمن أمنكم والبلد بلدكم، فكونوا على حذر طهروا بيوتكم من هذه الوسائل المدمرة، أنزعوها من يد أولادكم وبناتكم قبل أن يستفحل الأمر فيهلك الجميع: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

أما تعتبرون بهذه الشحنات الهائلة في سيارات الكبار مشحونة بالمخدرات المنوعة هذا سلاح يدمر البلاد، فتنبهوا لذلك وكونوا عونا لولاة أموركم على حفظ البلاد من هذه الأفكار، ولا تتستروا على أحد أو تقولون هذا ما هو من شأننا هذا من شأن رجال الأمن هذا من شأن الجميع: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ .

فاتقوا الله عباد الله، إن هذه البلاد محسودة حتى ممن يدعون الإسلام، حتى من جيرانها، بلاد محسودة على ما أتاها من النعم على ما تنعم به من الأمن والاستقرار ورغد العيش، إنها محسودة والحاسد لا يهدأ له بال حتى يزيل النعمة من يد المحسود.

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا وتحاذروا وحذروا وبلغوا ولا تتستروا على أحد ولا تتساهلوا في هذا الأمر فإنه والله خطير وخطره على الجميع ليس على فئة مخصوصة.

فاتقوا الله عباد الله، وكونوا مع ولاة أموركم، وكونوا مع رجال أمنكم، وكونوا صورا لبلادكم تحاذروا من هذا الشر فإنه محدق ومحيط بكم إن لم تقاوموه.

لما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقال له يا رسول الله: إننا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الدين، فهل بعد هذه النعمة من شر أو بعد هذا الخير من شر؟ قال: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أطاعهم قَذَفُوهُ فِيهَ قلت صفهم لنا يا رسول الله: قال: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قلت يا رسول الله فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَ المسلمين ، قلت يا رسول الله فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ على أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُأتيك الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ، وفي الحديث: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الإنسان غَنَمٌ يرعاه في رؤوس الْجِبَالِ يتتبع بها مَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ .

فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أنكم مسئولون أمام الله سبحانه وتعالى عما يحدث في هذه البلاد من جراء تساهلكم وتغفلكم، من جراء تكاسلكم وإلقاء المسئولية على غيركم، كلكم مسئول، كلكم ستسألون أمام الله سبحانه وتعالى والله قال لكم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيانات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على منه وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،             أما بعد:

عباد الله، إن النعم لا تدوم ولا تستقر إلا بشكرها: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) وفيما قصه الله عن الأمم السابقة وما أصابها من العقوبات بسبب كفرها بنعم الله عز وجل ما فيه موعظة وعبرة ومنبه لكل ذي عقل سليم.

فاتقوا الله عباد الله، حافظو على نعم الله بشكرها وحذروا من زوالها وهي لا تزول إلا بسبب أفعالكم وتقصيركم في شكر نعم الله وفي المحافظة عليها، والشكر ليس باللسان فقط أن تقول: الحمد لله والشكر لله، نعم هذا شكر؛ لكن ما يكفي لابد في شكر النعمة من ثلاثة أمور:

- تحدث بها ظاهرا: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).

- والاعتراف بها باطنا أنها من الله وليست بحولك ولا بقوتك وإنما هي منة من الله عز وجل.

- والثالث: أن تستعملها في طاعة الله ولا تستعملها في معصية الله، فمن استعمل النعم في معصية الله فإن هذا كافر لنعمة الله ومعرض للعقوبة.

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد آمنة مستقرة، أحفظها من كل سوء ومكروه، ومن كل شر وفتنة، وحفظ بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ رد كيد الكائدين في نحورهم وكفنا شرورهم إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا ذنوبنا ما لا يخافك فينا ولا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مظلين، اللَّهُمَّ أعنهم على نصر الحق والقيام به، اللَّهُمَّ أعنهم  وسددهم، اللَّهُمَّ خذ بأيهم إلى ما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.

 

خطبة الجمعة 26-01-1435هـ