سيرة الخليفتين عثمان وعلي رضي الله عنهما



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ورضي الله عن خلفائه الراشدين الأئمة المهدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين.

          أيها الأخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الموضوع لاشك موضوع مهم جدا، لاسيما ما يتعلق بالخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم قال الله سبحانه وتعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)، وقال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، إن الصحابة لهم فضل عظيم لما خصهم الله به من صحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتعلمهم منه، وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثناء الله عليهم وثناء الرسول عليهم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ ، والصحابة جمع صحابي، والصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك، هذا هو تعريف الصحابي، الصحابة يشتركون في فضل الصحبة التي لا يساويهم فيها أحد من الأمة، ولكنهم يتفاضلون فيما بينهم فأفضلهم الخلفاء الراشدون ثم بقية العشرة المبشرين بالجنَّة، ثم هم يتفاضلون فيما بعد ذلك، والله فضل بعضهم على بعض بما فعلوا وبما قدموا للإسلام والمسلمين، والخلفاء الراشدون هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، والنبي صلى الله عليه وسلم أثناء عليهم خصوصا لقوله صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بعدي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ هؤلاء هم الخلفاء الراشدون، أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي على هذا أجمع المسلمون في هذا الترتيب في الفضيلة وإن كان حصل خلاف في علي وعثمان، أيهما أفضل؟ ولكن الراجح أن عثمان أفضل رضي الله عنهما جميعا، لأمور كثيرة، وأما في الخلافة فلاشك أنهم على هذا الترتيب أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن طعن في خلافة واحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله، لأن المسلمين أجمعوا على ترتيبهم في الخلافة، لا أحد يشك في هذا الترتيب، الذي أجمع عليه الصحابة وأجمع عليه من بعدهم من هذه الأمة.

الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه:

   هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أسلم قديماً فهو من السابقين الأولين، السابقين إلى الإسلام فهو أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين الهجرة إلى الحبشة لما ضايقهم المشركون في مكة أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة فرارا بدينهم عند النجاشي ملك الحبشة وكان رجلاً لا يظلم أحد عنده كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهاجروا بزوجاتهم وأهليهم إلى الحبشة فرارا بدينهم، ثم هاجر رضي الله عنه مع المهاجرين الهجرة الثانية قيل المدينة النبوية، تزوج بنتي الرسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم كلتهما توفيتا معه وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو كان لي ابنة ثالثة لزوجتك إياها ، ولهذا يسمى ذو النورين لأنه تزوج بنتي الرسول الله صلى الله عليه وسلم.

من فضائله رضي الله عنه: أنه جهز جيش العسرة في غزوة تبوك، لما أحتاج المسلمون إلى من يجهزهم في الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رضي الله عنه جهز ثلاثمائة بعير بما يلزمها من عتاد وغير ذلك من ماله الخاص، وأتى بألف دينار من الذهب فوضعها في يدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ، ولما قتل عمر رضي الله عنه قتله المجوسي أبو لؤلؤة المجوسي غدراً وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر، عند ذلك لما أحس بالوفاة رضي الله عنه فقيل له: أوصي يا أمير المؤمنين عهد إلى ستة من بقية العشرة المبشرين بالجنة، عهد إليهم أن يختاروا خليفة من بعده للمسلمين، وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، تشاور هؤلاء الستة فيما بينهم فيمن يتولى منهم الخلافة، تشاوروا فيما بينهم ووقع اختيارهم على عثمان  رضي الله عنه لأنه هو أفضلهم، فبايعوه بالخلافة وتتابع المسلمون بعدهم على مبايعته رضي الله عنه فكانت خلافته بإجماع من أصحاب الشورى الستة، بمبايعة بقية الأمة له يعني أهل الحل والعقد بايعوه رضي الله عنه فتمت بيعته وصار خليفة المسلمين الثالث، وسار على سيرة من سبقه من الصحابة.

ومن فضائله رضي الله عنه أنه جمع المسلمين على مصحف واحد يسمى بالمصحف العثماني، وذلك لأن الصحابة تفرقوا في الأمصار، وكل واحد منهم معه مصحف كتبه خاصا به وكانوا مختلفين في القراءات كل يقرأ بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم اختلاف في القراءات، وعند ذلك أدرك حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أدرك هذا الاختلاف في قراءة القرآن بين الصحابة، وهذا الاختلاف في المصاحف التي معهم، فخشي على الأمة أن تختلف في القرآن، فجاء إلى عثمان رضي الله عنه فقال له: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فجمعهم عثمان رضي الله عنه على مصحف واحد يوافق العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم والتي هي على لغة قريش، التي نزل القرآن بها، فأمر زيد بن ثابت وجماعة معه من الثقات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبوا المصحف العثماني على الرسم المعهود الآن، وأمر ببقية المصاحف فحرقت وبقي هذا المصحف الذي هو مصحف المسلمين إلى اليوم وإلى ما شاء الله عز وجل، فجمع الأمة على مصحف واحد خشية التفرق بينهم فهذا من فضائله رضي الله تعالى عنه ومن مشاريعه العظيمة، هذا بعض مناقب عثمان رضي الله عنه، وسار بالمسلمين السيرة الحسنة، وتوسعت المملكة الإسلامية في عهد، انتشرت الفتوحات، وفاضة الأموال، فغاظ ذلك اليهود، غاظ اليهود انتشار الإسلام: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، فدسوا على المسلمين واحداً منهم يقال له عبدالله بن سبأ اليهودي، أظهر الإسلام خدعة تظاهر بالإسلام فجاء إلى المدينة، فجعل يشكك المسلمين في أمر عثمان ويلتمس له المعايب، فلما انتبه له هرب عن المدينة إلى بلاد أخرى، وصار ينشر رأيه الفاسد، ويشكك في خلافة عثمان وفي تصرفاته، ويثير المسلمين عليه، فاجتمع عليه أهل الفتنة من صغار السن، ومن الجهال ومن الحاقدين اجتمعوا عليه، ثم جاءوا إلى عثمان رضي الله عنه يريدون التفاوض معه في الظاهر، في الأمور التي انتقدوه عليه، فحاصروا بيته على أنهم يريدون التفاوض معه هذا ظاهرهم، وهم يضمرون غير هذا يضمرون قتل عثمان رضي الله عنه، فلما صار في الليل إحدى الليالي تسوروا عليه بيته فقتلوه رضي الله عنه شهيدا، قتلوه شهيدا وصبر رضي الله عنه على الفتنة ولقي ربه راضياً مرضياً شهيداً في سبيل الله، اختار الله له ما عنده، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مقتله، فأخبر عن هذه الفتنة حين بشره بالجنة، فقال له: على بلوى تصيبك ، أخبره أنه سيبتلى فوقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فقتل شهيدا رضي الله عنه مغدوراً به، والمسلمون في الحج يعني اختاروا هذا الوقت وقت ذهاب المسلمين للحج ليغدروا بأمير المؤمنين نفذا قضاء الله وقدره واختار الله له الشهادة في سبيله، بقي المسلمون بلا خليفة، وكانوا يريدون من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتولى بعد عثمان ولكن علياً تهرب منهم وآباء أن يقبل، فألحوا عليه مع بعض كبار الصحابة لما رأوا أن الخليفة قتل فتداركوا الأمر وأشاروا على علياً رضي الله عنه بالالتزام هذا الأمر إنقاذا للمسلمين من هذه الفتنة، فقبل رضي الله عنه البيعة، بايعوه بعد عثمان رضي الله عنه وصار هو الخليفة الراشد الأخير من الخلفاء الراشدين، ولكن بقية أمامه مشكلتان: المشكلة الأولى: الذين يطالبون بدم عثمان ويطالبون القصاص من القتلة، وقال لهم رضي الله عنه: إن هؤلاء لهم قبائل ولهم يتبعهم ناس، ولا يقدر على أنه يعني يقدمهم للقصاص لأن وراءهم من وراءهم من القبائل ومن الأتباع، فحصل ما حصل بينه وبين أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يطالبون بدم عثمان، يطالبون بالقصاص، فحصلت وقعت صفين بين علي وبين أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، لا يريدون الطعن في خلافة علي، ولكن يريدون القصاص من الظلمة الذين قتلوا أمير المؤمنين رضي الله عنه، هكذا الأمر فدارت المعركة بينهم بين أهل الشام وبين جيش علي رضي الله عنه وصارت الغلبة لعلي رضي الله عنه، عند ذلك أهل الشام رفعوا المصاحف على الرماح وطلبوا التحكيم بينهم وبين علي، فعلي رضي الله عنه أدرك أن هذه خدعة فلم يقبل؛ ولكن في جيشه من انخدع بهذه الخدعة، فألزموا علياً رضي الله بقبول التحكيم، فحصل التحكيم، عند ذلك ظهرت الخوارج هذه المشكلة الثانية، ظهرت الخوارج الذين يكفرون علياً ويقولون أنه حكم الرجال والله جل وعلا يقول: (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ) وأنت حكمة الرجال فكفروا علياً رضي الله عنه، خرجوا عليه وشقوا عصا الطاعة فسموا بالخوارج، وكانوا عددا كثيرا تجمعوا وتألبوا في مكان يقال له حرورا يسمون بالحرورية، لأنهم اجتمعوا في مكان يسمى حرورا تجمعوا على قتال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وكانوا من أشد الناس عبادةً وتلاوةً للقرآن وصياماً؛ ولكنهم جهال بأمور الدين لم يأخذوا العلم عن العلماء، إنما أخذوه من أنفسهم ومن بعضهم مع بعض، حملهم التشدد والجهل على الخروج على أمير المؤمنين وشق عصا الطاعة، فانتدب لهم ابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنه حبر الأمة، فناظرهم ناظرهم وأجاب عن شبهاتهم رجع منهم عدد كثيرا وأصر البقية الكثيرة على القتال وعلى ما هم عليه، عند ذلك قاتلهم علي رضي الله عنه في وقعت النهروان فنصره الله عليهم، وقتل منهم مقتل عظيمة، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مقتل الخوارج وعن الذي يقتلهم وأن له الجنة، فعلي رضي الله عنه لما انتهت المعركة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن فيهم رجلاً صفته كذا وكذا له ثدي كثدي المرأة، فأرسل علي رضي الله عنه من يتفحص القتلى فوجدوا هذا الرجل الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم فتحققت بذلك بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب أنه هو الذي يقتل هذه الفئة الضالة الباغية الخوارج فهذه من فضائله رضي الله عنه.        

الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

          هو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم تربى عند الرسول صلى الله عليه وسلم لأن أبا طالب كان فقيراً فضمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ورباه رضي الله عنه، فتربى في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه من فضائله أيضاً، وهو أول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب، وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من أسلم من النساء خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، الحاصل أن علي رضي الله عنه هو أول من أسلم من الصبيان تربى في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله عن الجميع، ومن فضائله أنه رابع الخلفاء الراشدين، ومن فضائله أنه من الشجعان المجاهدين في سبيل الله، شهد المعارك كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه عند أهله في المدينة، وإلا فقد شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فاتكاً شجاعاً فارساً قوياً له مواقف في المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفة، هو أيضاً الذي قتل بالمبارزة بارز المشركين مع حمزة ومع أبي عبيدة في بدر، بارزوا جماعة من فرسان المشركين فنصرهم الله عليهم، وهو الذي في غزوة خيبر لما طال الحصار على المسلمين شق عليهم الحصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأعطينا الراية غدا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه بشارات عظيمة، تطلع الصحابة رضي الله عنهم كل يريد هذه البشارة أيهم يحصل عليها، أمسوا ليلتهم يدكون، أيهم يعطى الراية غدا، ليحصل على هذه الفضائل العظيمة، قال عمر رضي الله عنه: ما تطلعت للإمارة إلا في هذه الليلة، يريد بذلك أن يحصل على هذه البشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذه الأوصاف العظيمة، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبكرين، كلهم يرجوا أن يعطى  الراية، فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب ، قالوا يا رسول الله: إنه يشتكي عينيه أصابوه الرمد، فدعا به وجيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه من ريقه الطاهر الطيب الكريم، فبرأت عينيه كألم يكون به وجع، وهذا من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أعطاه الراية وقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوا الله لأن يهدي الله بك رجل واحداً خير لك من حمر النعم ، فمضى علي رضي الله عنه بالمسلمين يحمل الراية وحاصر حصن اليهود في خيبر وفتح الله على يديه وانتصر المسلمون على اليهود وسقطت خيبر بيدي المسلمين، وكان ذلك على يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهذا من أعظم فضائله وبشارة النبي صلى الله عليه وسلم له.

أما نهايته رضي الله عنه فهو أن الخوارج الذي قتل آباءهم وإخوانهم في النهروان أرادوا الثأر منه، فتأمروا على قتل الثلاثة علي، ومعاوية، وعمر بن العاص أن يقتلوهم في صلاة الفجر، وندبوا لكل واحد منهم واحداً من الخوارج، فأما علي رضي الله عنه فنفذ فيه قضاء الله وقدره قتله الخارجي عبدالرحمن بن ملجم قتلوه وهو ينادي للصلاة ويقيض النيام لصلاة الفجر تخبأ له وضرب له على رأسه رضي الله عنه، عند ذلك أصيب رضي الله عنه بجراح عظيمة على آثرها توفي شهيداً بأيدي الخوارج، هم كانوا معه في الأول ثم خرجوا عليه، ثم قتلوه، وأما الذي ذهب إلى معاوية فإنه طعنه في موضع غير مقتل ونجا منه معاوية وأبرآه الله من الجراحة، وأما عمر بن العاص رضي الله عنه أنهم لما يصادف حضر هذه الليلة وكان خلفه خارجه يصلي بالمسلمين فصلى بهم فتله الخارجي بصلاة الفجر قتل خارجه وهو يصلي بالمسلمين، هذه قصة نهاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واستشهاده في سبيل الله عز وجل راضيا مرضيا وفيا لدينه ولأمته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهاتان الخليفتان عثمان وعلي كل منهم قتل هذا بيد الشيعة على يد هؤلاء الخوارج الذين حاصروا بيته قتلوه، يعني بأمر من الشيعي عبدالله بن سبأ وهو يهودي تظاهر بالإسلام وهو يهودي، التشيع دسيسة يهودية، ودسيسة مجوسية أيضاً، لأن الشيعة يتقسمون إلى قسمين إلى شيعة من قبل اليهود وشيعة من قبل المجوس كلهم يريدون الحقد على الإسلام والمسلمين والقضاء على الإسلام؛ ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فالله ناصر دينه إلى أن تقوم الساعة مهما حاول هؤلاء، والإسلام ينتشر ويزيد ويدخل الناس فيه أفواجا، رغم محاولة اليهود والنصارى والمجوس وسائر الكفرة، الإسلام ولله الحمد يأخذ طريقه إلى القلوب، ولا يزال يدخل فيه الأعداد الكبيرة الذين يسلمون لا طمعاً في مال ولا طمعا رئاسة، وإنما يسلمون اختيارا لأن الإسلام يأخذ قلوبهم فيرغبون فيه عن رغبة وعن طواعيا، ومحبة لله ولرسوله، فالحمد هذا الدين بخير ولو كاد له المشركون، هؤلاء الخلفاء الثلاثة كلهم قتلوا عمر بن الخطاب على يد المجوس، وعثمان على يد الخوارج، وعلي أيضا على يد الخوارج، كلهم وإن قتلوا هؤلاء فإن الإسلام لم ينقتل، الإسلام باقي ولله الحمد، وهذا شيء أراده الله لهؤلاء الكرامة الشهادة، ولحقوا بربهم والحمد لله على منه وفضله، هم لم ينقطع ذكرهم والدعاء لهم والترضي عنهم إلى يوم القيامة، لأنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاء الذي أوصى بسنتهم والاقتداء بهم، فذكرهم باقي، والدعاء لهم باقي، والترضي عنهم باقي إلى أن تقوم الساعة كلما ذكروا، والحمد لله رب العالمين، نسأل الله جل وعلا أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يخذل أعداءه، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأهله وأصحابه أجمعين.