التمسك بالإسلام والحذر من الشرك



التمسك بالإسلام والحذر من الشرك والمشركين

الخطبة الأولى :

الحمد لله رب العالمين الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعلنا مسلمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و أشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثِ رحمةً للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليم كثيراً، أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروا نعمته عليكم إذ جعلكم مسلمين و اعرفوا معنى الإسلام حتى تتمسكوا به على بصيرة ولا تكونوا مما يدعون الإسلام وهم على ضده ن فلإسلام يا عباد الله كما عرَّفه العلماء هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك و أهله، هذه ثلاثة أمور لا يتحقق الإسلام إلا بها، الأمر الأول: الاستسلام لله بالتوحيد، بعبادة لله وحده لا شريك له و ترك عبادة ما سواه لأن كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام يخلطون معه الشرك بعبادة الأولياء والصالحين الذين يتقربون إليهم يزعمون أنهم يشفعون لهم عند الله وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى وهذه بلية عظيمة أدخلها الشيطان على كثيرٍ ممن يدَّعون الإسلام بألسنتهم وهم يعبدون غير الله بأفعالهم واعتقاداتهم، الأمر الثاني: الإنقياد له بالطاعة فمن أسلم لله وأخلص لله واتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ينقاد لأوامر لله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فيفعل ما أمر الله ورسوله به ويترك ما نهى الله ورسوله عنه، فإذا حصل خللٌ بترك بعض الوجبات أو ارتكاب بعض المحرمات فهذا مما ينقص الإسلام نقصاً ظاهراً أو يزيله والعياذ بالله ، والأمر الثالث: وهو مهم جداً يغفل عنه كثيرٌ من الناس ويُنادى الآن بطمسه والتحذير منه وهو البراءة من المشركين البراءة من دين المشركين و اعتقاد أنه باطل والبراءة من المشركين وعدم محبتهم ومناصرتهم والدفاع عنهم ومدحهم فهذا واجب على المسلم وهو ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي أُمرنا باتباعها قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4]، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام تبرأ من أبيه لمّا علم أنه عدو لله، قال تعالى: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة:114]، وقد قال الله جل وعلا: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22]، بعض من يدعون إلى الله و يدعون إلى الإسلام لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولو سألتهم ما هو الإسلام؟ ما أجابوك بجواب صحيح، لأنهم لم يتعلموا، لم يتعلموا ما هو الإسلام، لم يدرسوا العقيدة دراسة صحيحة مبنية على الكتاب والسنة وإنما يظنون أن الإسلام هو ما عليه الناس ولو كان مخالفاً لما شرعه الله نتيجة الجهل، وهذا الإسلام لأهميته ووجوب تعليمه للناس جاء جبريل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه، بينما هم جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع عليهم رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منهم أحد فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يديه على فخذيه، جلوس طالب العلم بين المعلم، فقال يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله وتقيم الله الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال صدقت، قال الحاضرون فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صدقت، فأخبرني عن الإحـسان، قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال صدقت، فأخبرني عن الساعة، قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أماراتها يعني علامتها، قال أن تلد الأمة ربتها وأن تجد الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم قام وخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اطلبوه فخرجوا ولم يجدوه، فقال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، فدل على أنه لابد أن يتعلم الإنسان هذا الدين وأن يدخل فيه على بصيرة وأن يقوم به على الوجه المطلوب حتى يكون مسلماً حقا لا مسلماً مقلداً أو مدعياً، فلنتق الله في ديننا وذلك بأن نعرفه ونعمل به ونترك ما ينهى عنه فإنه نجاتنا وصلاحنا وفلاحنا وحصيلتنا من هذه الدنيا، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، تمسكوا بهذا الدين إلى أن يأتيكم الموت وتموتون عليه تلقون الله جل وعلا به، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132]، وذلك بملازمة هذا الدين و العمل به وترك ما يضره أو ينافيه طول حياة الإنسان حتى يوافيه الأجل وهو على الإسلام، فمن مات على الإسلام دخل الجنة ومن مات على الكفر والشرك دخل النار، ومن مات على الإسلام وعنده معاصي مخالفات من الكبائر التي دون الشرك فإنه معرض للوعيد إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بذنوبه ثم يُخرج من النار بعد التعذيب ويُدخل الجنة، هذا هو الإسلام يا عباد الله، فلنعرفه ولندرسه ولنتمسك به، و كان أهل هذه البلاد إلى عهدٍ قريب وهم يدرسون الناس العوام يدرسونهم في المساجد يدرسونهم الإسلام، يدرسونهم الدين، يحفظونهم هذا الأحكام حتى يتمسكوا بها ، والآن لا نرى من يقوم بذلك ومن يسأل عن ذلك حتى إن كثيراً من المتعلمين والذين يحملون الشهادات العالية لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولو سألتهم ما هو الإسلام؟ ما أجابوك، لأنه لم يهتموا بتعلمه ولم يعرفوا حقيقته حتى يتمسكوا به علم وعن بصيرة ويحذروا من ضده وما يخالفه أو ينقَّصه، فاتقوا الله عباد الله واعرفوا أمور دينكم حتى تحققوه على ما شرعه الله سبحانه وتعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [لقمان:22]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله على فضله وإحسانه و أشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسول لله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وتمسك بسنته وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد أيها الناس، بعد أن تعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الإسلام وتعرفوا حقيقة الإسلام فعليكم أن تسألوا الله الثبات عليه فإن كثيراً ممن كانوا يعرفون الإسلام ودخلوا فيه ضلوا عنه وارتدوا عنه وانحرفوا عنه بسب الفتن التي تعصف بالناس اليوم التي تدخل على الناس في بيوتهم وعلى فرشهم يسمعونها و يشاهدونها من خلال القنوات الفضائية ومن خلال الإنترنتات والوسائل الدقيقة التي تنقل لهم الشبهات وتنقل لهم الدعوة إلى الانحراف تزهَّدهم في الإسلام وتصرفهم عنه حتى أصبحوا ملحدين الآن بعد أن كانوا من المسلمين وكانوا من الدعاة وبعد أن كانوا ممن تعلموا انحرفوا وصاروا يجادلون الآن يجادلون في الله عز وجل ويجادلون في دين الله وهذا من الفتن، لا نأمن على أنفسنا لا نأمن على أنفسنا أن يصيبنا ما أصابهم فعلينا أن نخاف من الفتن وأن نسأل الله الثبات على هذا الدين إلى يوم نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين فإنها فتن عظيمة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها محذراً لنا منها، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ، انظروا يصبح المسلم غريباً بين من يدَّعون الإسلام فكيف من هم على الكفر، غريب والغريب هو الإنسان الذي بين أناس من غير أهله ومن غير جنسه وفي غير بلده هذا هو الغريب، وسيعود غريباً فيصبح الإسلام غريباً في بلد الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطوبى للغرباء، قالوا ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يصلُحون إذا فسد الناس، وفي رواية الذين يُصلحون ما أفسد الناس، فليشتد خوفنا من ذلك ولنتمسك بديننا ولنصبر عليه ونحذر من الفتن ومن المضلين ومن دعاة السوء ونخاف على ديننا ودين أولادنا وبناتنا وإخواننا المسلمين، نتحاذر هذا الأمور، ولا يمكن أن تتمسك بهذا الدين على الوجه المطلوب إلا إذا درسته وعرفته، إذا درسته دراسةً صحيحة وتلقيته عن أهل العلم حتى تتمسك به، أمَّا مجرد الإنتساب من غير معرفه فهذا لا يُجدي شيئاً وهو ينحرف مع أدنى عاصفة من الفتن، نسأل الله العافية، فاتقوا الله عباد الله واحذروا من دعاة السوء ومن دعاة الضلال واحذروا من الشبهات المضلة التي تروج بين الناس اليوم من مختلف الوسائل فإنه لا ينجو منها إلا من وفقه الله وعرف الله حق معرفته وعرف دين الإسلام على حقيقته وصبر على ذلك حتى يلقى ربه عز وجل، نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه، وأن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، ثم اعلموا عباد الله أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديٌ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وراض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد ديننا أو أراد أوطاننا فأشغله بنفسه واردد كيده في نحره واكفنا شره إنك على كل شي قدير، اللهم احم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم اجعل الدائرة على الشرك والمشركين وأهل الضلال والملحدين يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين وخذ بنواصيهم إلى الحق يا رب العالمين، اللهم انصر بهم دينك وأعلِ بهم كلمتك واحفظ بهم بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه ورادد كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره واصرف عنا شره إنك على كل شي قدير، عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90-91]، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


خطبة الجمعة 3/6/1432هـ